العالم

ماذا طلبت قيادة حماس من المخابرات المصرية؟

تحليل استراتيجية حماس بعد زيارة القاهرة: هل تتهيأ غزة لتحول كبير؟

منذ اندلاع المواجهات الأخيرة في قطاع غزة، تبدو فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، منخرطة في مراجعة استراتيجية دقيقة. إن هذه المراجعة لا تقتصر على المعارك الميدانية فحسب، بل تشمل بناء قواعد اشتباك جديدة، وتشكيل ضغط سياسي على الضامنين والوسطاء. في هذا السياق، برزت زيارة وفد رفيع من حماس إلى القاهرة بمجموعة من المطالب الصريحة التي قدمت لرئيس المخابرات المصرية، حسن رشاد.

تلك المحادثات تكشف عمق توقعات المقاومة، وخططها لكسر أي محاولة لإطالة المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، إذا لم تفِ إسرائيل بالتزاماتها. في هذا المقال، نُعيد تحليل ما جرى، ماذا طلبته حماس تحديدًا، ولماذا تعتبر هذه المطالب محورية لمستقبل الاستقرار في غزة.


خلفية اللقاء في القاهرة

  • في يوم الأحد الماضي، زار وفد كبير من قيادة حماس العاصمة القاهرة لعقد محادثات مع المخابرات المصرية.

  • ترأّس الوفد قيادات بارزة مثل محمد درويش، وخالد مشعل، وخليل الحية، ونزار عوض الله، وغازي حمد، وزاهر جبارين.

  • الهدف من الزيارة كان مناقشة المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار المتفق عليه سابقًا، بالإضافة إلى تقييم الأوضاع الراهنة في غزة.

  • من وجهة نظر المقاومة، تأتي هذه الزيارة في توقيت حساس؛ إذ تسعى لفرض معادلات جديدة إذا لم تلتزم إسرائيل بتعهداتها.


مطالب حماس الأساسية في المفاوضات

وفد حماس طرح أمام المخابرات المصرية مجموعة من المطالب الاستراتيجية التي تعكس رؤية المقاومة للمستقبل:

  1. وقف خروقات الإسرائيل:

    • طالبت حماس مصر بأن تُلزم إسرائيل بوقف انتهاكاتها المتكرّرة لاتفاق وقف إطلاق النار.

    • ترى الحركة أن خروقات إسرائيل تهدّد بتقويض الاتفاق بكامله، ما يستدعي تدخلًا فعّالًا من الضامِن المصري.

  2. فصل قوة حفظ الاستقرار:

    • طالبت المقاومة بضرورة تشكيل قوة دولية لحفظ الاستقرار في غزة، تضمفصلًا بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال.

    • هذا الطلب يعكس رغبة حماس في منع أي تواجد إسرائيلي مباشر، مع الحفاظ على دوره في ضبط الأوضاع بعد وقف إطلاق النار.

  3. قاعدة اشتباك جديدة:

    • أكّدت قيادة حماس أنها تخطط لوضع قواعد اشتباك جديدة مع الاحتلال، في حال استمر القصف أو الخروقات.

    • هذه القواعد ستكون مُعدّة لتردع إسرائيل سياسيًا وميدانيًا، وأحد عناصرها سد الذرائع التي تستغلها الدولة العبرية لمهاجمة القطاع.

  4. إدارة فلسطينية ذاتية للقطاع:

    • طرحت القيادة فكرة تخلي حماس عن إدارة القطاع وتسليمها إلى لجنة فلسطينية موحدة.

    • الغرض من ذلك هو إغلاق الذرائع التي يستخدمها الاحتلال لتبرير توسيع عدوانه ميدانيًا وإنسانيًا.


تحليل الموقف من وجهة نظر المقاومة

الكاتب والمحلل السياسي أحمد الطناني رأى في محادثات القاهرة دلالة واضحة على استشعار المقاومة رغبة إسرائيل في استمرار المرحلة الأولى من الاتفاق لأجل فرض أجندتها الخاصة:

  • يعتقد الطناني أن إسرائيل تسعى لإبقاء الوضع في غزة في حالة «لاحرب ولا سلم»؛

  • الهدف منها هو إعادة صياغة عدوانها تحت مظلّة الاتفاق، بحيث تبدو العمليات كأنها ضمن إطار التهدئة؛

  • من وجهة نظره، هذا ينمّ عن محاولة إسرائيليّة لتطويع التهدئة لصالحها، دون الالتزام الكامل بوقف النار.

كما يشير الطناني إلى أن التشكيلة القيادية للوفد الحَسْمي – والتي تضم شخصيات مثل درويش ومشعل والحية – تعكس حرصًا كبيرًا على حسم الموقف. إن مشاركة هذه الأسماء ليست شكلية، بل تعني أن حماس صارت على استعداد للدخول في مرحلة تفاوض أكثر تعقيدًا وبخطوط واضحة.

وبرأي الطناني، وجود قادة الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي في ذات التوقيت بمحاذاة زيارة وفد حماس يشير إلى توافق بين الفصائل على ضرورة تغيير قواعد اللعبة إذا لم تحترم إسرائيل مطالب التهدئة.


سيناريوهات مستقبلية وفق قراءة المقاومة

1. تعامل مغاير مع الخروقات

  • تتوقع حماس أن ترفض أي خروق إسرائيلية من دون رد ميداني أو سياسي؛

  • قد ترد المقاومة على الانتهاكات بالتصعيد العسكري، إذا لم تكسر الضمانات الدولية التزامات إسرائيل.

2. إستراتيجية سد الذرائع

  • تخطط حماس لسد كل الباب الذي يمكن لإسرائيل التذرع به لتمديد عدوانها؛

  • تحويل إدارة القطاع إلى لجنة فلسطينية مستقلّة هو جزء رئيس من هذه الاستراتيجية.

3. إعادة التفاوض السياسي

  • إذا فشلت إسرائيل في احترام التزاماتها، قد تفرض المقاومة شروطًا سياسية جديدة؛

  • وقد تطلب حماس من الضامِن المصري فرض آليات رقابة دولية على تنفيذ الاتفاق.


الموقف الإسرائيلي وضغوطه من الداخل

الخبير في الشأن الإسرائيلي، عادل شديد، قدّم قراءة متشائمة لما يجري:

  • يرى أن إسرائيل تتعامل مع خرقها للاتفاق باعتباره جزءًا منه، بل حقًّا يمنحها مساحة للتدمير والابتزاز الإنساني داخل غزة؛

  • يضيف أن الجيش الإسرائيلي يضغط على القيادة السياسية للبقاء داخل القطاع، لكنه يرفض مسؤولية إدارة حياة المدنيين هناك؛

  • هذا الضغط يأتي لأن هناك رغبة في نقل إدارة غزة إلى جهة بديلة، قد تكون من التشكيل المُطالب به من جانب حماس نفسه.

شديد يوضح أيضًا أن حكومة نتنياهو ما زالت تُروّج لأهداف الحرب، مثل التهجير والاستيطان، بالرغم من تراجع العمليات العدوانية؛

  • بعض الأوساط داخل الحكومة تعول على أن خفض المساعدات وتوسيع عمليات الاحتلال سيفرض اللاجئين دفعًا نحو ما يُسَّمَّى “الهجرة الطوعية”؛

  • وفي رصد شديد، فإن نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، يسعى إلى إظهار نفسه “صاحب القرار الوحيد في غزة”، مع أنه يعلم أن الولايات المتحدة هي صاحبة النفوذ الفعلي الأكبر.

ختامًا، يخلص شديد إلى أن نتنياهو يوجه رسالة واضحة إلى حماس:

  • إنكم لستم أقوى من حزب الله، الذي فرضت عليه إسرائيل واقعًا معينًا؛

  • وإنها ستفرض الواقع نفسه في غزة، ما لم تتدخل واشنطن لوقف هذا المسار؛

  • بهذا، ترمي إسرائيل إلى ربط وضع غزة بمعادلات ما بعد الحرب، بحيث تضمن السيطرة من دون إدارة مباشرة.


تقييم التوازنات الاستراتيجية

أ. من جانب المقاومة

  • حماس تدرك جيدًا أن المرحلة الثانية من الاتفاق لن تكون سهلة، لذلك وضعَت مطالب قوية ومحددة.

  • استقلالية إدارة غزة تهمها كثيرًا، لأنها تخشى أن يكون التهدئة ذريعة لتفريغها من السيطرة.

  • في الوقت نفسه، تسعى إلى تحالف مع الوسطاء لضمان محاسبة إسرائيل على خروقاتها.

ب. من جانب الضامن المصري

  • مصر تلعب دور الوسيط، لكنها تملك أيضًا نفوذًا استراتيجيًا في القضية الفلسطينية.

  • مطالبة حماس بتفعيل دور المخابرات المصرية قد تُقوّي موقع الأخيرة كضامن موثوق.

  • لكنها في الوقت ذاته قد تخشى أن تتحمل عبء تشكيل قوة دولية، أو إدارة سياسية للقطاع.

ج. من جانب إسرائيل

  • إسرائيل تحاول استغلال الاتفاق لاحتواء الضغوط الدولية، دون الالتزام الكامل بالسلم.

  • عبر الضغط السياسي والعسكري تضمن أن تظل لها خيارات مفتوحة في المستقبل، حتى تحت مظلّة التهدئة.

  • لكن مفتاح التوازن قد يكمن في مدى جدية الضامنين في تحميلها مسؤولياتها.


المخاطر والفرص

المخاطر:

  • إذا لم تلتزم إسرائيل بوقف الخروقات، فإن أي مكاسب من التهدئة قد تضيع.

  • تشكيل قوة دولية لحفظ الاستقرار يمثل تحديًا لو وجدت معارضة من بعض الأطراف الإقليمية.

  • إدارة غزة من قبل لجنة فلسطينية قد تثير رفضًا داخليًا من بعض الفصائل أو جهات دولية.

  • التصعيد الميداني من جانب المقاومة قد ينذر بعودة العنف مرة أخرى، مع تداعيات إنسانية كبيرة.

الفرص:

  • إذا نجحت حماس في فرض مطالبها، فقد تقوى موقعها كفاعل أساسي في مستقبل غزة.

  • وجود قوة دولية قد يمنح القطاع حماية إضافية من التهجير أو العدوان المتجدد.

  • التوافق بين فصائل المقاومة على إدارة فلسطينية موحدة يمكن أن يعزّز الوحدة الوطنية.

  • الضغط المصري والدولي على إسرائيل قد يؤدي إلى التزام أكثر جدية بوقف إطلاق النار.


الخلاصة

إن محادثات حماس مع المخابرات المصرية تمثل نقطة تحوّل محتملة في إدراك المقاومة لدورها في اتفاق التهدئة. طالبت الحركة بمطالب استراتيجية قوية، من وقف الخروقات، إلى تشكيل قوة دولية، إلى إدارة فلسطينية مستقلة للقطاع.

من منظورها، هذه المطالب ليست رفاهية سياسية، بل ضرورات أمنية واستراتيجية لمنع استغلال إسرائيل لأي ثغرة تسمح لها بإعادة العدوان تحت مظلة التهدئة.

في المقابل، تحاول إسرائيل، كما يرى المحللون، استغلال الاتفاق للحفاظ على نفوذها، لكن الضامِن المصري قد يكون حاسمًا في كبح طموحاتها، إذا نجح في تحويل مباحثات التهدئة إلى آليات تنفيذ فعالة.

إذا نجحت حماس في فرض هذه المطالب، فإنها قد ترسم واقعًا جديدًا في غزة، يمنحها أدوات ردع مهمة، ويعيد رسم موازين القوة في ملف التهدئة.

اقرأ كذلك: القسام ودبابات الميركافا. تسريبات تكشف حرب العقول والمعلومات داخل منظومة جيش الاحتلال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات