العالم

الطلعات الجوية فوق غزة تضع بريطانيا في دائرة الاتهام

"تحقيقات حول دور الطائرات البريطانية في جمع المعلومات الاستخباراتية فوق غزة وتورط المملكة المتحدة المحتمل في تسهيل جرائم الحرب الإسرائيلية"

طلعات جوية بريطانية فوق غزة تضع المملكة المتحدة في دائرة الاتهام شهدت الساحة الدولية في الآونة الأخيرة جدلاً واسعاً حول الدور البريطاني في النزاع المستمر في غزة، وخاصة فيما يتعلق باستخدام طائرات التجسس التابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية. بعد سلسلة من التقارير الإعلامية التي سلطت الضوء على هذه الطائرات، باتت بريطانيا في دائرة الاتهام بشأن تورطها المحتمل في جرائم الحرب المرتكبة في قطاع غزة. ويأتي هذا في وقت حساس حيث بدأت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات في هذه الجرائم، ما يثير تساؤلات حول مسؤولية بريطانيا في تسهيل هذه الانتهاكات، سواء من خلال المعلومات الاستخباراتية أو عبر إرسال الأسلحة إلى إسرائيل.

الطائرات البريطانية فوق غزة

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، تقوم الطائرات البريطانية غير المسلحة، مثل طائرة “شادو آر 1″، بتنفيذ رحلات استكشافية شبه يومية فوق القطاع. هذه الطائرات، التي تستخدم بشكل رئيسي في جمع المعلومات الاستخباراتية والصور الجوية، تمتاز بقدرتها العالية على مسح المناطق بدقة متناهية. ويقول الخبراء العسكريون إن هذه الطائرات تستخدم أجهزة استشعار متطورة لرصد الحركات في الشوارع والمباني السكنية. وتستطيع الطائرات البريطانية مراقبة الأوضاع في غزة بشكل مستمر، كما أنها قادرة على معالجة البيانات على متن الطائرة نفسها أو نقلها عبر الأقمار الصناعية لتحليلها لاحقًا في مراكز استخباراتية متخصصة.

وتُعتبر هذه الطائرات جزءًا من الجهود الاستخباراتية التي تقوم بها المملكة المتحدة في المنطقة، وفيما يتعلق بالأدلة المحتملة ضد إسرائيل، يرى البعض أن المعلومات التي جمعتها هذه الطائرات قد تستخدم كأدلة في المحكمة الجنائية الدولية في حال تلقت بريطانيا طلبًا رسميًا من المحكمة لتقديمها.

الرحلات الجوية البريطانية: تفاصيل العمليات

منذ ديسمبر/كانون الأول 2023 وحتى يونيو/حزيران 2024، أفادت تقارير وزارة الدفاع البريطانية أن طائراتها نفذت نحو 250 رحلة مراقبة فوق غزة. جميع هذه الطائرات أقلعت من قاعدة “أكروتيري” في قبرص، حيث استغرقت الرحلات حوالي 6 ساعات في المتوسط. وقد تم تكثيف هذه الرحلات بالتزامن مع تصاعد الأعمال العسكرية في غزة، وكان الهدف الأساسي من هذه الرحلات هو جمع معلومات استخباراتية دقيقة حول الأنشطة العسكرية، بما في ذلك الأهداف المحتملة للهجمات.

ومع تزايد عدد الطائرات التي تحلق فوق غزة، اتسعت دائرة النقاش حول ماهية دور بريطانيا في هذه العمليات. فهل كانت المملكة المتحدة تقدم معلومات استخباراتية تساهم في تحديد أهداف الهجمات؟ وهل يمكن استخدام هذه البيانات كدليل على تورط بريطانيا في تسهيل جرائم الحرب؟

الطائرات البريطانية و”التعاون الاستخباراتي” مع إسرائيل

في فبراير/شباط 2024، نشرت الجزيرة تقريرًا عن هبوط إحدى الطائرات البريطانية في قاعدة “نيفاتيم” الجوية الإسرائيلية، مما أثار تساؤلات كبيرة حول طبيعة التعاون الاستخباراتي بين بريطانيا وإسرائيل. إذا كانت الطائرات البريطانية قد هبطت في قاعدة إسرائيلية، فإن ذلك يفتح المجال لتساؤلات حول ما إذا كانت المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها قد ساهمت في تحديد أهداف للهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة.

هذا التعاون المحتمل بين البلدين يعزز من الفرضية القائلة بأن المملكة المتحدة قد تكون متورطة في بعض من الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في غزة. فإذا ثبت أن الطائرات البريطانية قدمت معلومات استخباراتية استخدمتها إسرائيل في شن هجمات على أهداف مدنية أو إنسانية، فإن هذا قد يضع الحكومة البريطانية في موقف حرج أمام المجتمع الدولي.

الأدلة ضد الحكومة البريطانية: القلق الداخلي

بعد التقارير التي تحدثت عن تورط بريطانيا في عمليات مراقبة على غزة، واجهت الحكومة البريطانية موجة من الانتقادات الداخلية. فقد عبَّر العديد من السياسيين والنشطاء عن قلقهم حيال استخدام أموال دافعي الضرائب البريطانيين لتمويل هذه العمليات العسكرية، خصوصًا بعد الأنباء التي أفادت بأن بعض المواطنين البريطانيين، من بينهم عمال الإغاثة من مؤسسة “المطبخ العالمي”، قد تعرضوا للاستهداف أثناء وجودهم في غزة.

في أبريل/نيسان 2024، تعرضت قافلة إغاثية كانت تضم موظفين من مؤسسة “المطبخ العالمي” للهجوم في غزة، مما أسفر عن مقتل عدد من العاملين في المجال الإنساني. هذا الهجوم جعل العديد من العائلات البريطانية تطالب الحكومة بالكشف عن الأدلة التي قد توضح كيف تم استهداف هؤلاء العاملين، وهل كان لهذه الطائرات البريطانية دور في توفير المعلومات التي ساهمت في تحديد الأهداف.

الضغط من منظمات حقوق الإنسان

في هذا السياق. دعت مديرة مكتب “هيومن رايتس ووتش” في لندن. ياسمين أحمد، الحكومة البريطانية إلى الكشف عن أي معلومات استخباراتية قد تفسر الهجمات التي استهدفت المدنيين والبنية التحتية المدنية في غزة. بما في ذلك الهجوم الذي وقع على قافلة الإغاثة في أبريل/نيسان. وأكدت أحمد أن هذه المعلومات يجب أن تُقدَّم إلى المحكمة الجنائية الدولية، خاصة أن الضحايا كانوا من المدنيين البريطانيين. مما يعني أن هناك مسؤولية أخلاقية وقانونية على بريطانيا.

وبموجب المادة 86 من نظام روما. فإن المملكة المتحدة ملزمة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في التحقيقات والملاحقات القضائية المتعلقة بالجرائم. ويشير الخبراء إلى أن استخدام بريطانيا للمعلومات الاستخباراتية قد يعتبر مشاركة في جرائم الحرب إذا تم استخدامها لاستهداف المدنيين أو قوافل الإغاثة.

تساؤلات قانونية: تسهيل جرائم الحرب

إذا ثبت أن المملكة المتحدة قد قدمت معلومات استخباراتية تساهم في تحديد أهداف الهجمات على غزة. فإن ذلك قد يضع الحكومة البريطانية في موقف صعب أمام المحكمة الجنائية الدولية. وقد أشار العديد من الخبراء القانونيين إلى أن مثل هذه العمليات يمكن أن تؤدي إلى ملاحقة الساسة البريطانيين المسؤولين بموجب ميثاق روما.

زكي صراف، المسؤول القانوني في مكتب “العدالة من أجل الفلسطينيين”، صرح بأنه إذا ثبت أن بريطانيا ساعدت في تحديد الأهداف العسكرية في غزة من خلال المعلومات الاستخباراتية. فإن ذلك قد يعرض الساسة البريطانيين للملاحقة الدولية. في هذه الحالة. قد تكون المحكمة الجنائية الدولية قادرة على فتح تحقيق في دورهم المحتمل في جرائم الحرب. وهو ما يعكس تزايد القلق الدولي حول تورط دول أخرى في النزاع.

المطالبات بوقف الدعم العسكري لإسرائيل

علاوة على ذلك، فقد أشار أوليفر فيلي-سبراغ. مدير برامج الشرطة والشؤون العسكرية في منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة. إلى أن استخدام بريطانيا لهذه المعلومات الاستخباراتية قد يكون بمثابة “مشاركة نشطة” في جرائم الحرب. وأضاف أن استمرارية إرسال الأسلحة إلى إسرائيل مع العلم بتأثيرها المحتمل يعزز من المسؤولية البريطانية عن الانتهاكات.

وطالب فيلي-سبراغ الحكومة البريطانية بتعليق جميع عمليات نقل الأسلحة لإسرائيل. كما دعا إلى التأكد من أن استخدام هذه الأسلحة لا يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. بالنظر إلى التصعيد العسكري في غزة. فإن هذا يعد أحد المواقف القانونية والإنسانية التي تتطلب التدخل الفوري من قبل المجتمع الدولي.

في ضوء هذه التطورات، تتزايد الأسئلة حول مدى تورط بريطانيا في الجرائم المرتكبة في غزة. سواء من خلال الدعم الاستخباراتي الذي توفره الطائرات البريطانية أو من خلال إرسال الأسلحة إلى إسرائيل. فإن المملكة المتحدة تواجه ضغوطًا متزايدة من قبل المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان للكشف عن الأدلة المتاحة. من جهة أخرى. تشهد بريطانيا جدلًا داخليًا حول مسؤوليتها في هذه العمليات. وهو ما يضع الحكومة في موقف صعب أمام الرأي العام المحلي والدولي.

إذا كانت بريطانيا قد قدمت معلومات استخباراتية لإسرائيل أو ساهمت في تحديد أهداف الهجمات. فإنها قد تكون متورطة في تسهيل جرائم الحرب. وهو ما قد يؤدي إلى ملاحقتها أمام المحكمة الجنائية الدولية. لذا. يبقى السؤال: هل ستستجيب الحكومة البريطانية لهذه المطالبات وتكشف عن الأدلة التي قد توضح دورها في هذه الجرائم؟

اقرأ كذلك :مطالبات لوزير الخارجية البريطاني بالاعتذار بعد تقليله من شأن “الإبادة” في غزة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات