الوقوف على عرفة
"الجدل في المذاهب الفقهية حول تعريف غير الحاج بالوقوف على عرفة ومشروعية الاجتماع في المساجد للدعاء يوم عرفة"
يوم التروية، فيه يخرج الحجيج من مكة إلى منى. يصلون خمس صلوات: الظهر، العصر، المغرب، العشاء، وفجر يوم عرفة. يوم التروية هو السنة التي تهدف للاستعداد الروحي ليوم عرفه. يُسمى يوم التروية لأن العرب كانوا يملؤون القرب بالماء للشرب يوم عرفه.
في هذا اليوم، نستشعر معنى التزود للآخرة. نملأ قرب القلوب بالخشية والتقوى. يصادف يوم السبت التاسع من ذي الحجة، وهو يوم عرفة. يُسن صيامه لغير الحاج. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “احتسب على الله أن يغفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”. فضل يوم عرفة يشمل الحاج وغير الحاج، لأن نصوص فضله عامة. كان بعض الصحابة وأئمة السلف يقومون بالتعريف في المساجد يوم عرفة لغير الحجاج. يجمعون الناس للدعاء، معتقدين أن فضل عرفة عام للحاج وغير الحاج. يجمع الحاج بين فضل الزمان والمكان، مما يجعله أكمل وأفضل.
على غير الحاج الذي لن يقف بعرفة مع الحجاج وقوفاً مكانياً، أن يقف وقوفاً روحياً ومعنوياً. بقلبه وروحه، يتوجه إلى الله. فضل الله واسع، عسى أن يدركه برحمته، فيكون من العتقاء ومستجابي الدعاء في هذا اليوم المبارك. الوقوف المعنوي على عرفه يكون بما يلي:
الافتقار والتذلل في يوم عرفة
إن جوهر الإسلام يكمن في العبودية لله، وجوهر العبودية في التذلل والافتقار بين يدي الله عز وجل. متى بلغ العبد درجة عالية من الافتقار لله، استجيب دعاؤه وعلت منزلته. يباهي الله عز وجل ملائكته بالحجيج يوم عرفة، لأنهم أظهروا فقرهم وفاقتهم وذلهم بين يديه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثا غبرا”. مباهاة الله ملائكته تكون بعكس نظرة البشر، الذين يتفاخرون بأجمل الثياب وأفخر العطور.
الله يباهي ملائكته بتغير هيئة الحجيج وشعرهم، وعلو الغبار والتراب وجوههم استجابة لأمر الله. معنى الافتقار والتذلل يحتاجه المسلم في عالم اليوم، حيث طغت المادية وخفوت الربانية وظهرت معاني العلو والاستغناء في حياته.
توازن بين الخوف والرجاء في يوم عرفه
المتأمل في أحوال السلف على عرفة يلحظ أنهم كانوا يجمعون بين الخوف والرجاء. فهذا الفضيل بن عياض يقول عند غروب شمس يوم عرفة: “وا سوأتاه وإن عفوت”. وهذا سفيان الثوري يسأل: “من أسوأ الناس حالا في هذا الموقف؟” فيقول: “الذي يظن أن الله لا يغفر لهم”.
تقلب في حالك ودعائك غدا بين الطمع في رحمة الله والخوف من عذابه. وبين الأمل في القبول والنجاة، والخوف من عدم القبول. واجمعوا أولادكم في بيوتكم في دعاء فردي وجماعي، وحدثوهم عن عرفة وشوقوهم للحج والزيارة.
التضرع والدعاء في يوم عرفة
أفضل عبادة في يوم عرفة هي الدعاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة”. فلنكثر من الدعاء في هذا اليوم، وأحق الناس بالدعاء إخواننا وأهلنا في غزة.
من أولويات الدعاء، الدعاء بالثبات على الدين، خاصةً مع شيوع التشكيك والإلحاد في أوساط شبابنا. إن من أهم عوامل الثبات على الدين هو الدعاء بالهداية والاستقامة، والدعاء بالاستمرار على الهداية والاستقامة في القرآن الكريم. على سبيل المثال، دعاء الراسخين في العلم يقول: “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ” [آل عمران: 8].
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك”.
تجسيد حال الواقفين على عرفه
على غير الحاج أن يتخيل نفسه واقفاً على عرفة بقلبه وروحه، حتى وإن حرم الوقوف بجسده. يمكن أن يكون من أهل الموقف، فيبكي حرقة وخوفًا من حرمانه من إجابة الدعاء والوقوف. حج علي بن الموفق ستين حجة، وفي الحجة الستين، أسند ظهره إلى الحجر يتفكر في حجاته وهل قبلت منه أم لا؟ في المنام، رأى من يقول له: “هل تدعو إلى بيتك إلا من تحب؟” استيقظ وقد سرت عنه الإجابة.
التعريف لغير الحاج على عرفة
التعريف لغير الحاج هو اجتماع الناس في مساجد أحيائهم يوم عرفة، للذكر والدعاء من عصر يوم عرفة إلى غروب الشمس. لم يختلف العلماء في مشروعية الدعاء الفردي لغير الحاج عشية يوم عرفه، ولم يختلفوا في مشروعية اجتماع أهل البيت على الدعاء يوم عرفة. اختلفوا في الاجتماع في مساجد الأحياء على دعاء جماعي على ثلاثة أقوال:
1. الجمهور من الحنفية والمالكية وبعض الحنابلة يرون أنه مكروه أو بدعة.
2. رواية عن الإمام أحمد تقول أنه مستحب ومن المفردات.
3. الحنابلة وبعض فقهاء الشافعية يرون أنه جائز، وقد فعله ابن عباس وعمرو بن حريث رضي الله عنهما من الصحابة.
الأرجح أنه لا يدعى للاجتماع في المساجد وأن نثبت الأصل وهو المناجاة الفردية. لكن لا ننكر على من اجتمع في المساجد على الدعاء يوم عرفة، خاصة بثبوت التعريف لغير الحاج من الصحابة وأئمة السلف.
اقرأ كذلك: أم على قلوب أقفالها؟ تأثير القرآن في الحياة وعلى الفرد والمجتمع