“شالوم حماس”: ما الذي تخفيه إسرائيل في حربها الجديدة؟
"بين التصعيد العسكري الإسرائيلي والمخططات الاستراتيجية المستقبلية: هل تسعى إسرائيل لتهجير الفلسطينيين من غزة أم أنها حرب تكتيكية لإضعاف المقاومة؟"

“شالوم حماس”.. ماذا تخفي إسرائيل في حربها الجديدة؟ في 5 مارس/آذار 2025، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحذيرًا شديد اللهجة لحركة حماس عبر منصته الاجتماعية “تروث سوشيال”. بدأ رسالته بعبارة “شالوم حماس”، موضحًا أن الكلمة تعني “مرحبًا ووداعًا” في آن واحد. كانت هذه العبارة مدخلًا لتحذير قوي، حيث طالب ترامب حماس بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم وإعادة جثث القتلى الذين سقطوا في وقت سابق. وهدد ترامب بأن عدم الامتثال لمطالبه سيؤدي إلى “نهايتهم”، في رسالة تبدو قاسية في السياق السياسي والعسكري.
لم يتوقف ترامب عند هذا الحد، بل أشار إلى أن الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل بكافة الإمكانيات اللازمة لتحقيق “المهمة”، محذرًا من أن أي عضو في حركة حماس لن يكون في مأمن إذا لم يتم تنفيذ مطالبه. كما دعا قيادات حماس إلى مغادرة غزة قبل فوات الأوان، مشيرًا إلى أن هناك مستقبلًا مشرقًا ينتظر سكان القطاع في حال تم الإفراج عن الرهائن. ولكنه أكد في الوقت نفسه أن العواقب ستكون وخيمة إذا لم تستجب الحركة لهذه المطالب.
مرت فترة قصيرة منذ هذه التصريحات، حيث أمطرت الطائرات الإسرائيلية سماء غزة بالقذائف والدمار، وحدث هذا التصعيد في وقت كان فيه الفلسطينيون في غزة يحاولون التعافي من عدوان استمر نحو عام ونصف. الأمر الذي أعاد طرح العديد من الأسئلة: هل هذه حرب تكتيكية لإضعاف المقاومة الفلسطينية، أم أنها خطوة في مخطط إستراتيجي طويل الأمد يهدف لتغيير المعادلة السياسية والجغرافية في فلسطين؟ وهل ستنفذ إسرائيل هذه المرة خطة التهجير التي طالما كانت محط نقاش؟
هل هذه حرب تكتيكية أم خطوة إستراتيجية؟
يبدو أن التصعيد الإسرائيلي الأخير قد جاء في سياق محاولة ضغط على حركة حماس، خاصة في موضوع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بالإضافة إلى محاولة استغلال الضعف الدولي الراهن لتحقيق أهداف معينة. وعلى الرغم من أن التصعيد العسكري قد يكون جزءًا من استراتيجية إسرائيل لإضعاف حماس وتحقيق مكاسب في قضية الجنود الأسرى الإسرائيليين والمواطنين الأمريكيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، فإن العديد من المراقبين يعتقدون أن هذه العمليات قد تكون خطوة في مشروع أكبر، يتجاوز قضية الأسرى إلى مسألة إعادة ترتيب الأوراق السياسية والجغرافية في المنطقة.
منذ بداية العدوان، كرر المسؤولون الإسرائيليون أن الهدف الرئيس هو القضاء على حركة حماس، وهو الشعار الذي يتكرر في كل مرة منذ عام 2008. ورغم مرور أكثر من عقد من الزمن على هذا الشعار، فإن القضاء الفعلي على حماس لم يتحقق في أي من الحروب السابقة. في الوقت الذي يتصاعد فيه العنف العسكري، فإن التساؤل الأكبر يبقى: هل هناك إرادة حقيقية لدى إسرائيل لإنهاء المقاومة الفلسطينية بشكل كامل، أم أن هناك سقفًا دوليًا يفرض على إسرائيل أن تحترمه؟
التخطيط الإسرائيلي: تهجير أم تضييق اقتصادي؟
هناك انطباع متزايد بأن إسرائيل قد تكون بصدد التفكير في تنفيذ مخطط التهجير القسري لسكان غزة، وهو ما يثير تساؤلات كثيرة بشأن المستقبل السياسي والإنساني للقطاع. على الرغم من أن إسرائيل لم تعلن عن تبنيها لهذه الإستراتيجية بشكل رسمي، فإن بعض المؤرخين والمحللين العسكريين يشيرون إلى أن السياسة الإسرائيلية قد اعتمدت سابقًا على تقنيات تهجير قسري لملايين الفلسطينيين منذ عام 1948، وهو ما يضع هذا الاحتمال في دائرة النقاش مجددًا.
يرى بعض المحللين أن إسرائيل قد تكون تهدف إلى إحداث تغييرات جذرية في التركيبة السكانية للقطاع عبر دفع الفلسطينيين إلى الهجرة الطوعية، وذلك من خلال فرض حصار مشدد على القطاع، وتدمير البنية التحتية، وجعل الحياة في غزة شبه مستحيلة. كما أن الحديث عن تهجير محتمل لسكان غزة إلى سيناء أو مناطق أخرى بدأ يطفو على السطح في الآونة الأخيرة، في ظل تصاعد الحديث عن “الخطة البديلة” التي قد تشمل توطين الفلسطينيين في مناطق أخرى.
من الناحية السياسية، قد يشكل هذا التهجير القسري تهديدًا لمصداقية إسرائيل على المستوى الدولي. فمثل هذه الخطوة قد تتسبب في ردود فعل دولية حادة، وتخلق أزمة دبلوماسية ضخمة، خاصة إذا قررت بعض الدول الكبرى التدخل سياسيًا أو فرض عقوبات على إسرائيل. في المقابل، فإن التصعيد العسكري الذي يحدث حاليًا يضع إسرائيل في مواجهة مع معضلة كبيرة: هل ستستمر في تنفيذ خططها العسكرية أم أن المجتمع الدولي سيضغط بشكل قوي على تل أبيب لوقف التصعيد؟
الحكومة الإسرائيلية: أزمة داخلية وتحديات سياسية
على الصعيد الداخلي، تواجه حكومة بنيامين نتنياهو واحدة من أصعب الفترات في تاريخ الحكومات الإسرائيلية. فبالإضافة إلى الاحتجاجات الشعبية الحادة ضد سياسات الحكومة، تواجه إسرائيل انقسامًا كبيرًا بين الأجهزة الأمنية. هذا التوتر الداخلي يتزامن مع ضغوط دبلوماسية ضخمة، خاصة في ظل الأزمات السياسية المحلية، مثل صراع نتنياهو مع المحكمة العليا وأزمة الفساد التي تحيط بحكومته.
في ضوء هذه الظروف، قد يسعى نتنياهو إلى استخدام التصعيد العسكري في غزة كأداة سياسية داخلية لتعزيز موقفه السياسي. من خلال تحويل الاهتمام عن الأزمات الداخلية، قد يسعى نتنياهو إلى إعادة توحيد الشارع الإسرائيلي خلف حكومته، مستفيدًا من التوترات الأمنية والتركيز على العدو المشترك.
ومع ذلك، فإن هناك تساؤلات حول مدى نجاح هذه الإستراتيجية على المدى الطويل. فهل ستتمكن الحكومة الإسرائيلية من توظيف هذا التصعيد العسكري لتحقيق مصالحها السياسية؟ أم أن التكاليف العسكرية والسياسية قد تتجاوز الفوائد المتوقعة، مما يؤدي إلى تآكل الدعم الداخلي لنتنياهو؟
الدور الإقليمي والدولي في الحرب
تلعب البيئة الإقليمية والدولية دورًا مهمًا في تحديد مسار الحرب في غزة. حيث تواجه الأنظمة العربية معضلة مزدوجة، إذ أن غالبية هذه الأنظمة لا تستطيع مواجهة إسرائيل بشكل مباشر سياسيًا أو عسكريًا في ظل أوضاعها الداخلية الهشة والضغوط الاقتصادية، وفي الوقت ذاته، فإن قبول أي من هذه الأنظمة بخطة التهجير القسري قد يهدد شرعيتها أمام شعوبها.
وتتمثل الإشكالية الأكبر في تزايد الحديث عن سيناريو تهجير فلسطينيي غزة إلى أماكن أخرى، وهو ما يواجه معارضة من بعض الدول العربية المؤثرة مثل مصر والأردن. ورغم أن هذه الدول تبنت مواقف علنية رافضة لهذا السيناريو، إلا أن موقفها يبقى في الإطار اللفظي دون اتخاذ خطوات عملية لمنع تنفيذ هذه الخطط في حال حدوثها.
على الصعيد الأوروبي، تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة نتيجة للتطورات العالمية الأخرى، مثل الحرب في أوكرانيا، التي أصبح دعمها أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الغربية. ومع ذلك، بدأ بعض الدول الأوروبية، مثل إسبانيا وأيرلندا، في انتقاد السياسات الإسرائيلية بشكل أكثر وضوحًا. ومع ذلك، تظل هذه الانتقادات في إطار التأثير الرمزي ولا تؤدي إلى تغييرات فعلية في سياسات إسرائيل.
الولايات المتحدة وإسرائيل: شراكة إستراتيجية لا تتزعزع
من ناحية أخرى، تواصل الولايات المتحدة دعمها التقليدي لإسرائيل، وهو دعم لا يبدو أنه سيتغير في المدى القريب. ورغم أن الإدارة الأمريكية تتعامل مع الحرب بحسابات إستراتيجية دقيقة، فإن دعمها لإسرائيل يبقى غير مشروط. لكن هذا الدعم لا يعني أن واشنطن تمنح إسرائيل تفويضًا مفتوحًا، بل تحاول الموازنة بين دعم تل أبيب والحفاظ على استقرار المنطقة.
السيناريوهات المستقبلية: الحسم العسكري أو التوازن الدائم؟
مع استمرار التصعيد العسكري، يظل السؤال مفتوحًا: هل ستتمكن إسرائيل من تحقيق الحسم في هذه الحرب؟ منذ عام 2008، أثبتت التجربة العسكرية الإسرائيلية أن الحروب المتكررة ضد غزة لا تؤدي إلى حسم نهائي، بل إلى إعادة تشكيل ميزان القوة مؤقتًا، دون القضاء التام على المقاومة الفلسطينية. حتى في حال تم إضعاف قدرات الفصائل الفلسطينية، فإن البنية التحتية للمقاومة تظهر مرونة وقدرة على إعادة البناء بسرعة، كما حدث في الجولات السابقة.
أما بالنسبة للتهجير القسري، فإنه رغم كونه جزءًا من الخطاب السياسي الإسرائيلي، يبقى تنفيذه في الواقع غير مضمون، نظرًا للتعقيدات اللوجستية والسياسية التي تترتب عليه. إن أي محاولة للتهجير القسري قد تخلق أزمة دبلوماسية دولية غير مسبوقة، بالإضافة إلى تحديات لوجستية ضخمة.
في النهاية، يبقى مصير هذه الحرب غير واضح. ورغم القصف الشديد الذي شنته إسرائيل على غزة، فإن القضاء التام على المقاومة الفلسطينية لا يبدو واقعياً. سيناريو التهجير القسري، رغم أنه ما زال يطرح في الخطاب الإسرائيلي، يواجه تحديات عدة قد تحول دون تنفيذه. في المقابل، يبقى الفلسطينيون في غزة الضحايا الرئيسيين لهذا التصعيد المستمر، في وقت تتغير فيه الحسابات السياسية والعسكرية العالمية.
اقرأ كذالك:الانقلاب الفاشل: عودة الأحداث نفسها في شهر آذار