بعد غياب أكثر من 20 عامًا.. الدبابات الإسرائيلية تعود إلى شمال الضفة
التصعيد العسكري الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية: دبابات الاحتلال تعود إلى جنين وقباطية في سياق عملية السور الحديدي وتهجير السكان الفلسطينيين
بعد أكثر من 20 عامًا.. الدبابات الإسرائيلية تعود إلى شمال الضفة. في مساء يوم السبت. وبينما كان الفلسطينيون يراقبون عن كثب القرارات الصادرة عن الحكومة الإسرائيلية المتعلقة بتعليق خروج الدفعة السابعة من الأسرى في إطار المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس. كان أهالي محافظة جنين يتابعون بقلق بالغ وصول قوة من دبابات الاحتلال إلى ما يعرف بـ”فتحة مقيبلة”. التي تقع بالقرب من حاجز الجلمة العسكري. وقد شكل هذا التطور العسكري علامة فارقة، ليعيد إلى الذاكرة مشاهد مشابهة كانت قد غابت عن الأنظار لأكثر من 20 عامًا.
عودة الدبابات بعد غياب طويل
شهدت المنطقة صدمة كبيرة بين أهالي جنين. حيث كانت تلك المشاهد غائبة عنهم منذ نهاية الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) في عام 2000. وصول ثلاث دبابات إلى محيط المدينة في ذلك الوقت، كان مشهدًا نادرًا، وحمل معه تساؤلات متعددة بشأن تحركات الاحتلال في الضفة الغربية وتوجهات الحكومة الإسرائيلية في المرحلة المقبلة. وهذا التطور العسكري ليس حدثًا عابرًا، بل يأتي في سياق أكبر من التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية.
التصعيد العسكري والمواقف الإسرائيلية
هذا التحرك العسكري من قبل إسرائيل يأتي بعد يومين فقط من اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مخيم طولكرم برفقة قوة من الجيش الإسرائيلي. حيث صرح نتنياهو أن “العمليات العسكرية مستمرة وستتوسع”، مما يبرز نية إسرائيل في تعزيز الحملة العسكرية في الضفة الغربية. كما تأتي هذه الأحداث بعد سلسلة من التصريحات القوية التي صدرت عن المسؤولين السياسيين الإسرائيليين، كان آخرها تصريح وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي تحدث من مخيم طولكرم عن عملية “السور الحديدي” التي يتم تنفيذها في شمال الضفة الغربية، مؤكدًا أن العملية ستستمر لفترة طويلة وأنه لن يسمح لسكان المخيمات الفلسطينية بالعودة إلى مناطقهم هذا العام.
المواقف الفلسطينية من التصعيد الإسرائيلي
من جهة أخرى، يرى الفلسطينيون أن هذه التصريحات والتطورات العسكرية لا تعدو كونها “مبالغات لا صحة لها”، يهدف الاحتلال من خلالها إلى تدمير مدن شمال الضفة، وزيادة صعوبة الحياة على الفلسطينيين، وتعقيد ظروفهم المعيشية. بالإضافة إلى ذلك، يسعى الاحتلال إلى تهجير السكان وإفراغ المخيمات الفلسطينية من سكانها، وهو ما يبدو جليًا من خلال الحملة العسكرية المستمرة في المنطقة.
ومنذ بداية العملية العسكرية، قتل الاحتلال 10 مدنيين فلسطينيين، بينما سقط 27 شهيدًا في مخيم جنين خلال 34 يومًا من الحملة العسكرية. الغريب في الأمر أن هؤلاء الشهداء كانوا جميعًا من المقاومين الذين استشهدوا في الاشتباكات داخل المخيم. وتظهر المعطيات الميدانية أن المقاومين في مخيمات شمال الضفة، ولا سيما في جنين، اضطروا إلى مغادرتها بعد أن دخلت قوات الاحتلال إلى عمق المخيمات، حيث تم اعتقال عدد كبير من المقاومين في البلدات التي لجؤوا إليها في محافظة جنين. ومنذ بداية العملية العسكرية، لم تشهد المخيمات أي اشتباكات مسلحة بين المقاومة وجنود الاحتلال.
التوسع في العمليات العسكرية
في صباح يوم الأحد، استهدفت إسرائيل بلدة قباطية جنوب مدينة جنين، حيث قامت قوات الاحتلال باقتحام البلدة، مدعومة بجرافات عسكرية وآليات ثقيلة. وقد بدأت قوات الاحتلال في تدمير البنية التحتية للبلدة، مثل قطع خطوط الكهرباء والمياه، فضلاً عن تدمير العديد من المنشآت والمرافق الأساسية.
رؤية رئيس بلدية قباطية
أحمد زكارنة، رئيس بلدية قباطية، اعتبر أن الاحتلال يستهدف البلدة في إطار سياسته المتبعة في مخيمات جنين وطولكرم، والتي تهدف إلى ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية. وفي حديثه لموقع الجزيرة نت، أوضح زكارنة أن الاحتلال استهدف قباطية بشكل متكرر في الماضي، حيث نشط عدد من المقاومين في البلدة، وقد تعرضوا للعديد من الهجمات العسكرية من قبل الاحتلال، بما في ذلك القصف والقتل والتنكيل. وأضاف زكارنة أن الهجمات الحالية ليست للبحث عن المقاومين، حيث لا يوجد أي مقاومين في البنية التحتية أو في محال الخضار أو بسطات البضائع التي تم تدميرها على مدخل البلدة.
المقصد الحقيقي للاحتلال
وأكد زكارنة أن الهدف من هذه الهجمات هو “عقاب جماعي” للفلسطينيين. وذلك لتحويل حياتهم إلى جحيم. وزيادة الضغط عليهم. وأشار إلى أن جرافات الاحتلال دمرت العديد من المنازل والمركبات في البلدة، بالإضافة إلى الشوارع الرئيسية، قبل أن تنتقل لتجريف الشوارع الفرعية داخل الأحياء السكنية. كما تم تدمير أجزاء من جدران مقبرة الشهداء على مدخل البلدة، وهي مقبرة تاريخية تحتوي على أضرحة 45 جنديًا عراقيًا استشهدوا في معارك عام 1948 ضد إسرائيل.
منذ اقتحام قوات الاحتلال للبلدة، لم تشهد قباطية أي اشتباكات مسلحة أو عمليات تفجير لعبوات محلية الصنع. مما يدحض ادعاءات الاحتلال بشأن توسيع المعارك في المنطقة. هذا الواقع يؤكد أن الحملة العسكرية لا تستهدف المقاومة فقط. بل تشمل التدمير الشامل للمنطقة بكاملها.
تقرير وزير الأمن الإسرائيلي
فيما يخص تقرير وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس. أفاد بأنه تم تهجير نحو 40 ألف فلسطيني من مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم. وذكر أنه أصدر تعليماته للجيش الإسرائيلي بالقضاء على “بؤر الإرهاب” في شمال الضفة. مع إمكانية بقاء القوات العسكرية في تلك المخيمات لمدة عام كامل. هذا التصريح يسلط الضوء على سياسة الاحتلال القائمة على تصفية المقاومة. سواء من خلال القصف أو اعتقال المقاومين.
آراء الخبراء والمحللين
المحلل والخبير في الشأن الإسرائيلي. سليمان بشارات. يرى أن تصريحات كاتس تأتي ضمن سياسة إعادة هندسة السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية. هذه التصريحات تشير إلى عملية تهدف إلى إعادة ترتيب الحالة السياسية الفلسطينية بما يتناسب مع المخطط الإسرائيلي لضم الضفة الغربية بشكل كامل. وأوضح بشارات أنه من خلال إدخال وحدات الدبابات إلى المنطقة، يسعى الاحتلال إلى إعادة ترتيب بيئة الضفة الغربية. وهذا يشير إلى خطة إسرائيلية تم وضعها في عام 2017.
كما يرى بشارات أن تضخيم الحالة الفلسطينية من خلال تصريحات المسؤولين الإسرائيليين يهدف إلى تصوير ما يحدث كقتال بين قوتين. في حين أن الواقع على الأرض يشير إلى أن ما يحدث هو اقتحام للمدن الفلسطينية وتحويلها إلى خراب. ووفقًا لبشارات، تسعى إسرائيل إلى تحقيق أهداف داخلية من خلال هذه العمليات، أبرزها تقوية موقفها السياسي والعسكري. وكذلك استعادة الروح العسكرية التي فقدتها في قطاع غزة.
التداعيات السياسية والاستراتيجية
من جهة أخرى، يرى بعض المراقبين أن إسرائيل تعمل بشكل متواز على عدة جبهات لتحقيق أهدافها في الضفة الغربية. أحد هذه الأهداف هو التهجير الشمولي للفلسطينيين وإعادة تشكيل وجودهم في المنطقة. هذه السياسة تستهدف بالدرجة الأولى خلق واقع جديد من خلال الضغط الكبير واستعراض القوة العسكرية. آخر مظاهره كان استخدام الدبابات في محيط جنين.
وبحسب بشارات، يمكن فهم هذه الخطوات في سياق خطة التهجير إلى الأردن أو إعادة تشكيل المناطق الفلسطينية من خلال ترحيل السكان داخليًا. هذه الخطوات تشير إلى أن الاحتلال يسعى إلى إعادة تشكيل المدن والمخيمات الفلسطينية بما يتماشى مع مصالحه الاستراتيجية في المنطقة.
من خلال التطورات العسكرية الأخيرة في شمال الضفة الغربية. يظهر أن إسرائيل تواصل تصعيد عملياتها العسكرية ضد الفلسطينيين، مع التركيز على تدمير البنية التحتية للمدن والقرى الفلسطينية. بما فيها قباطية وجنين. ومع تزايد التصريحات الإسرائيلية حول توسيع العمليات العسكرية. يبقى التساؤل الأكبر حول نوايا الاحتلال وما إذا كانت هذه العمليات العسكرية تهدف حقًا إلى القضاء على المقاومة أو أنها جزء من استراتيجية أكبر لإعادة تشكيل الواقع السياسي والجغرافي في الضفة الغربية.
اقرأ كذلك :ترامب يتراجع عن خطاب التهجير: ما الذي جرى؟