العلماء يحددون توقيت العصر الجليدي القادم: كيف سيكون حالنا في تلك الفترة؟
"كيف سيؤثر العصر الجليدي المقبل على الحياة على كوكب الأرض؟ دراسة جديدة تكشف الموعد المتوقع لبداية العصر الجليدي القادم وتستعرض التحديات التي سنواجهها وكيفية تكيّف البشرية مع هذه التغيرات المناخية القاسية"
العلماء يحددون موعد العصر الجليدي المقبل: كيف سنعيش وقتها؟ تخيل المستقبل القريب: الطقس بارد جدًا طوال أيام السنة، حيث تغطي الثلوج معظم الأرض وتتحول الأيام إلى شتاء طويل لا ينتهي، وكل شيء ساكن. لا يوجد صيف إلا لبضعة أيام، ولا يمكنك الخروج إلى الشارع بدون سيارة مجهزة بتقنيات خاصة. هذا ليس مشهداً من فيلم خيال علمي، بل قد يكون واقعًا تنتظره الأرض في المستقبل القريب.
العصور الجليدية والتغيرات المناخية
على مستوى العالم، تمتد التكوينات الجليدية بسُمك يتراوح بين 3 إلى 4 كيلومترات لتغطّي نصف الكرة الأرضية الشمالي، بدءًا من القطب الشمالي نزولًا إلى حدود نصف الولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا، والنرويج، ونصف روسيا. هذا التصور قد يبدو بعيدًا عن الواقع اليوم، لكنه قد يصبح حقيقة في المستقبل. أما في نصف الكرة الجنوبي، فقد غطت الثلوج القطب الجنوبي، وصولاً إلى أطراف جنوب أفريقيا، وأجزاء من أستراليا، وقارة أمريكا الجنوبية. بين هذين النصفين، تعرضت الأرض لموجات متتالية من البرودة القاسية التي أثرت في ملامح الحياة على الكوكب.
منذ نحو 2.5 مليون سنة، دخلت الأرض في فترة من العصور الجليدية المتعاقبة، وبينها فترات بين جليدية، مثل العصر الذي نعيشه الآن، والذي بدأ قبل حوالي 11,700 سنة. يتمثل التحدي الأكبر الآن في فهم التغيرات المناخية القادمة وتحديد متى سينتهي العصر الدافئ الحالي ليدخل العالم في فترة جديدة من العصور الجليدية. وقد تمكن العلماء من تحديد الموعد المحتمل لدخول الأرض إلى العصر الجليدي المقبل، وفقًا لدراسة حديثة.
الدراسة الحديثة وتحليل التغيرات المناخية
وفقا لدراسة نشرتها مجلة “ساينس” العلمية المرموقة، قدم الباحثون تفسيرًا جديدًا يتعلق بالتغيرات الطفيفة في مدار الأرض حول الشمس. هذا التفسير يُعزى إلى التغيرات الطبيعية في مدار الأرض، والتي قد تؤدي إلى تحولات هائلة في مناخ الكوكب على مدار آلاف السنين. وقد تتبعت الدراسة الدورات الطبيعية لمناخ الأرض على مدى مليون سنة، مما أتاح لها تقديم رؤى جديدة حول النظام المناخي للأرض.
استنادًا إلى هذا التحليل، تمكن العلماء من التنبؤ بأن العصر الجليدي المقبل قد يبدأ بعد حوالي 10 آلاف سنة من الآن. قد يبدو هذا بعيدًا جدًا، ولكن الدراسة تظهر أن الأرض تمر حاليًا بفترة انتقالية تُسمى “فترة بين جليدية”، حيث تكون درجات الحرارة أكثر اعتدالًا مقارنة بالعصور الجليدية. من المثير للدهشة أن العلماء حددوا هذه الفترات على أساس تحليل الحركات الطبيعية للأرض وتغيرات المدار.
العوامل المؤثرة في التغيرات المناخية
قد يتساءل البعض: لماذا يتغير المناخ؟ وهل هناك عوامل طبيعية تؤثر في ذلك؟ الإجابة تكمن في العمليات الطبيعية التي تتبعها الأرض على مدار الزمان. إن الأرض لا تتحرك حول الشمس في مسار ثابت، بل في مدار بيضاوي يتغير على مر العصور. تدور الأرض حول محورها كل 24 ساعة وحول الشمس في مدار بيضاوي يأخذ نحو 365 يومًا وربع. لكن هناك عوامل أخرى تغير هذا المسار وتؤثر في المناخ بشكل كبير.
على سبيل المثال، توجد ظاهرة تعرف بالمبادرة المحورية، وهي حركة بطيئة جدًا للأرض حول محورها. تشبه هذه الظاهرة تأرجح الدوامة الخشبية التي يلعب بها الأطفال، حيث تتأرجح الأرض حول محورها مرة كل 26 ألف سنة تقريبًا. إلى جانب ذلك، هناك أيضًا تغييرات في ميل الأرض على محورها. ففي المدارس، نتعلم أن ميل الأرض يعادل 23.4 درجة، ولكن هذا الميل يتغير بين 22.1 درجة و24.5 درجة على مدار 41 ألف سنة.
كما أن مدار الأرض يشهد أيضًا تغيرات بطيئة. خلال 100 ألف سنة، يتغير شكل مدار الأرض بين كونه أكثر بيضاويًا وأقرب إلى الشكل الدائري. هذه التغيرات تحدث على مر العصور، وتعرف جميع هذه الظواهر مجتمعة باسم “دورات ميلانكوفيتش”. وهي الدورات التي تم اكتشافها من قبل الفيزيائي الصربي ميلوتين ميلانكوفيتش قبل أكثر من 100 عام. وأثبتت الأرصاد الجيولوجية صحتها.
تأثيرات هذه التغيرات على مناخ الأرض
على الرغم من أن التغيرات في مدار الأرض أو ميلان محورها قد تبدو طفيفة. إلا أن لها تأثيرًا كبيرًا على مناخ الأرض. فعلى سبيل المثال، تغير هذه التغيرات توزيع أشعة الشمس على سطح الأرض، مما يؤدي إلى انتقال الحرارة من منطقة إلى أخرى ويؤثر على النظام المناخي للكوكب بشكل عام. في بعض الأحيان، يمكن أن تؤدي هذه التغيرات إلى دخول الأرض في عصر جليدي، حيث تنخفض درجات الحرارة بشكل كبير ويبدأ الجليد في التوسع ليغطي مساحات واسعة من الكوكب.
خلال العصور الجليدية، ينخفض مستوى سطح البحر بشكل ملحوظ، حيث يتم احتجاز المياه في الصفائح الجليدية الضخمة التي تغطي القارات. هذا التغيير في المناخ يتسبب في ظروف بيئية قاسية جدًا تؤثر على الحياة على الأرض.
نتائج الدراسة: التنبؤ بالعصر الجليدي المقبل
وفقًا للدراسة الحديثة، قام الباحثون بتحليل التغيرات في حجم الصفائح الجليدية البرية في نصف الكرة الشمالي ودرجات حرارة أعماق المحيطات على مدى مليون سنة مضت. تمكنوا من ربط هذه التغيرات مع التغيرات في مدار الأرض حول الشمس، والتي تحدث بشكل دوري. من خلال هذه التحليلات. استطاع العلماء تحديد نمط معين يمكن التنبؤ به لحركة المناخ على الأرض.
وقد أظهرت نتائج الدراسة أن الأرض الآن تمر بفترة جليدية بينية مستقرة، وأن العصر الجليدي المقبل سيبدأ في حوالي 10 آلاف سنة. هذه النتيجة هي نتيجة تحليل عميق للتغيرات المناخية على مدى فترات زمنية طويلة. مما يعزز من قدرة العلماء على التنبؤ بتوقيت بداية ونهاية العصور الجليدية.
التحديات المستقبلية: كيف سنتأقلم مع العصر الجليدي القادم؟
لكن ماذا سيحدث عندما يعود العصر الجليدي؟ رغم أننا لن نعود إلى العيش في الكهوف. ستكون الحياة على كوكب الأرض أكثر صعوبة في تلك الحقبة. ومع ذلك، فإن التكنولوجيا الحديثة قد تساعدنا في التكيف مع الظروف المناخية القاسية.
من المتوقع أن يعمل العلماء على تطوير محاصيل زراعية مقاومة للبرد، إضافة إلى استثمار أكبر في الزراعة الداخلية وتحت الأرض. ستتمكن البشرية من تأمين الغذاء من خلال تقنيات حديثة مثل الزراعة في البيوت المحمية التي تحمي المحاصيل من البرد القارس.
ستكون مخازن الأغذية غير القابلة للتلف أساسية في هذه الفترة. حيث سيعتمد البشر على الأغذية المجففة والمجمدة والمعلبة للحفاظ على الكميات المطلوبة من الغذاء.
الطاقة والابتكارات التقنية
إلى جانب ذلك، ستكون الطاقة من أكبر التحديات في العصر الجليدي المقبل. ستتمكن مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية من تقديم حلول جزئية، لكن الاعتماد الكبير سيكون على الطاقة النووية. التي توفر طاقة مستدامة ومستقرة على مدار فترات طويلة، ولن تتأثر بالظروف الجوية المتغيرة.
أما في مجال الهندسة المعمارية. فسيكون بناء الملاجئ أكثر تحديًا. من المتوقع أن يتم استخدام تقنيات معمارية مبتكرة تهدف إلى العزل الجيد، لتوفير التدفئة في هذه الظروف الجليدية القاسية. ربما يعتمد البشر على بناء مدن تحت الأرض تحميهم من برودة الطقس.
تغييرات في الجغرافيا البشرية والهجرات
من المتوقع أن تؤدي هذه التغيرات المناخية إلى هجرات بشرية ضخمة، حيث سيتعين على الناس البحث عن مناطق أكثر دفئًا وصالحة للعيش. قد تؤدي هذه الهجرات إلى تغيير جذري في الجغرافيا البشرية. تمامًا كما حدث في فترات سابقة من تاريخ البشرية.
العودة إلى العصور الجليدية ستكون حدثًا يغير كوكب الأرض بشكل جذري. ورغم أننا نعيش في العصر الحالي في فترة دافئة. يعتقد العلماء أن الأرض ستدخل قريبًا في فترة جليدية جديدة بعد حوالي 10 آلاف سنة. من خلال التطور التكنولوجي والابتكارات في الطاقة والهندسة. ستتمكن البشرية من التكيف مع هذه الظروف القاسية. وفي النهاية. كما قال الفلكي الأمريكي كارل ساجان: “الاستكشاف جزء من طبيعتنا. بدأنا كمتجولين. وما زلنا إلى الآن متجولين”.
اقرأ كذلك :العلماء يكتشفون تشابهًا مذهلاً بين لغة البشر والحيتان