منوعات

تقنية الخرسانة الذاتية الإصلاح مستوحاة من خصائص جلد البشر

تجاوز التحديات ورحلة البكتيريا في إصلاح الخرسانة: سؤالان يبقيان بلا إجابة

في عالم حيث تستطيع أنسجة الجلد البشري الشفاء الذاتي بفضل نظامها الأوعية الدموية الرائع .يأتي فريق بحثي أمريكي مبتكر ليُحقق إنجازًا مميزًا في مجال البنية التحتية. هؤلاء الباحثون من كلية الهندسة بجامعة دريكسيل وفتحوا أبوابا جديدة لتصميم هياكل خرسانية “حية”. قادرة على إصلاح شقوقها ذاتيًا باستخدام تقنية بيولوجية مُلهمة من العمليات الحيوية في جسم الإنسان.

تأخذ هذه التقنية الجديدة مفهوم البناء التقليدي وتضيف لمستها السحرية. حيث كان البناؤون الأوائل يستخدمون نوعًا من الألياف، تُعرف بـ”شعر الخيل”، لتعزيز خليط البناء. ومع ذلك. تأخذ الطريقة الحديثة هذه الفكرة إلى مستوى جديد تمامًا. إذ يتم تحويل تلك الألياف إلى نظام أنسجة حية يمكنه دفع بكتيريا معالجة للخرسانة إلى موقع الشقوق لإصلاح الأضرار. وقد تم نشر هذه التقنية الرائعة في دورية “كونستركشن آند بيلدنغ ماتريالز”.

إلهام الطبيعة: خرسانة تستعين بالألياف الحية للإصلاح الذاتي

يُطلق على الألياف المحملة بالبكتيريا اسم “بايوفايبر”، وتوفر دراسة مفصلة توجيهات حول هذا النظام الجديد. يتكون بايوفايبر من ألياف بوليمر تُغلف بطبقة من الهيدروجيل المحمل بالبكتيريا. وتحمل طبقة واقية تستجيب للأضرار. تُعزز متانة الخرسانة وتمنع نمو الشقوق بفضل الشبكة الكثيفة من الألياف الحية المتداخلة داخلها. كما تمكن من إصلاح الشقوق بشكل ذاتي.

أمير فرنام، الأستاذ المشارك في كلية الهندسة بجامعة دريكسيل وقائد الفريق البحثي، يشير إلى أن هذا التطور المذهل يسهم في تطوير مواد البناء باستخدام الإلهام من الطبيعة. ويضيف: “بصفتنا نشهد تلفًا يوميًا في هياكل الخرسانة القديمة. مما يقلل من عمرها ويتطلب إصلاحات مكلفة. فإنه يمكن تصور أن تلك الهياكل يمكنها الآن إصلاح نفسها تمامًا كما تفعل أنسجتنا الجلدية بشكل طبيعي”.

فكرة الألياف الحية (بايوفايبر) تُقلّد عملية الشفاء الذاتي للبشرة من خلال استخدام هياكل طبقات متعددة من الألياف. مغمورة بمساعدة سائل الشفاء الذاتي وهو الدم. وبالمثل. تعمل الألياف الحية على استدعاء البكتيريا المنتجة للحجارة لإنشاء خرسانة حية قادرة على الإصلاح ذاتي. وهو مفهوم يُوضحه فرنام.

البكتيريا المنتجة للحجارة هي كائنات حية طبيعية تلعب دورًا في تكوين مجموعة متنوعة من الحجارة والرواسب المعدنية. تشمل هذه البكتيريا أنواعًا مثل ثيوباكيلوس فيروكسيدانس، التي تساعد في تكوين معادن مثل أكاسيد الحديد والكبريتات. وليبتوثركس ديسكوفورا، التي تنتج أغلفة خيطية تحمل أكاسيد الحديد أو المنغنيز. والبكتيريا الزرقاء التي تلعب دورًا في تكوين “الستروماتوليت”. بالإضافة إلى ليسينيباسيلوس كرويكوس التي تُسهم في تكوين كربونات الكالسيوم.

تقنية الخرسانة الذاتية الإصلاح مستوحاة من خصائص جلد البشر

البكتيريا المنتجة لكربونات الكالسيوم: استراتيجية البقاء الفعّالة

فريق البحث أخذ على عاتقه التعامل مع البكتيريا المعروفة باسم “ليسينيباسيلوس كرويكوس”. هذه البكتيريا المعمرة التي تعيش غالبًا في التربة تمتلك قدرة مميزة على تفعيل عملية معروفة باسم ترسيب كربونات الكالسيوم. هذه العملية تتيح لها إنشاء مواد تشبه الحجر تساهم في تعزيز استقرار وتصلب الخرسانة في مناطق الشقوق والضرر.

الباحثون اكتشفوا أنه عندما تتحفز هذه البكتيريا لتكوين “بوغ” داخلي. يمكن للبكتيريا البقاء على قيد الحياة في ظروف قاسية داخل الخرسانة. تظل هذه البكتيريا في حالة سكون حتى تُنادى للعمل.

تكون تكوينات الأبواغ الداخلية، والمعروفة أيضًا باسم “التبوغ”، هي استراتيجية بقاء تُستخدم من قبل بعض أنواع البكتيريا. تحدث هذه العملية المعقدة عندما تصبح الظروف غير مناسبة لنمو وانتشار البكتيريا، وتشمل عادة الخطوات التالية:

– البداية: تبدأ الخلية البكتيرية عملية التبوغ عندما تصبح الظروف البيئية غير ملائمة. حيث يتكاثف الحمض النووي داخل الخلية ويصبح أكثر تحملاً للظروف القاسية.
– تكوين الحاجز: تنقسم الخلية البكتيرية بشكل غير متماثل لتشكيل حجرة صغيرة تُعرف بالبوغ الأمامي داخل الخلية الأصلية.
– تطور الخلية الأم والأبواغ الأمامية: تتضمن هذه الخطوة ابتلاع الخلية الأم للأبواغ الأمامية وتكوين غشاء مزدوج حولها. مما يوفر العناصر الغذائية والحماية للبكتيريا المتنامية.
– تكوين القشرة والمعطف: يتم تطوير طبقة قشرة توفر مقاومة للظروف البيئية، وتتضمن إنتاج طبقة بروتينية حول القشرة.
– النضج والانطلاق: يتشكل البوغ الداخلي الناضج داخل الخلية الأم. وفي النهاية تتفكك الخلية الأم وتطلق الأبواغ الداخلية في البيئة. يبقى البوغ الداخلي غير نشط حتى تصبح الظروف مناسبة مرة أخرى، مما يتيح له النمو والانطلاق بشكل طبيعي.

تتمتع الأبواغ الداخلية بمرونة استثنائية ويمكنها تحمل الظروف القاسية بما في ذلك الحرارة والجفاف والمواد الكيميائية والإشعاع. مما يجعلها آلية بقاء فعّالة لبعض أنواع البكتيريا. يُعرف باكتيريا “ليسينيباسيلوس كرويكوس” التي استخدمها الباحثون بقدرتها الفائقة على تكوين الأبواغ الداخلية،.مما يجعلها تستمر وتعود للنشاط عندما تصبح البيئة أكثر ملاءمة للنمو والتكاثر.

كيف يعمل “بايوفايبر” في إصلاح الشقوق الخرسانية؟

نظام “بايوفايبر” يعتمد على استخدام البكتيريا كعنصر أساسي. ولكن ما يميز هذا النظام عن المحاولات السابقة لتوظيف البكتيريا هو اختيار الخليط المناسب من البكتيريا والهيدروجيل والطلاء البوليمري. هذا ما يوضحه محمد هوشماند، طالب الدكتوراه في مختبر فارنام الذي شارك في الدراسة.

يقول هوشماند: “لإنشاء “بايوفايبر”، بدأنا بنواة مصنوعة من ألياف البوليمر. وهذه النواة قادرة على تثبيت ودعم الهياكل الخرسانية. ثم قمنا بتغليف الألياف بطبقة من الهيدروجيل المحمل بالبكتيريا الداخلية. ومن ثم قمنا بتغليف المجموعة بأكملها بطبقة بوليمرية تستجيب للتلف بشكل مشابه لأنسجة الجلد. ويكون سمك التجميع بأكمله بسمك يزيد قليلاً عن نصف مليمتر”.

يشرح هوشماند طريقة عمل النظام بالتفصيل، حيث يُضاف “بايوفايبر” إلى شبكة الخرسانة أثناء عملية صبها. يقوم بأداء دور الدعم المحسن. ولكن القدرات الحقيقية لهذا النظام تظهر فقط عندما يتم اختراق الشقوق في الخرسانة بما يكفي لاختراق الغلاف الخارجي للبوليمر الذي يحتوي على الألياف الحية.

ويضيف: “عندما يتسرب الماء إلى الشق ويصل إلى الألياف الحية. يؤدي ذلك إلى تمدد الهلام المائي ودفعه نحو سطح الشق. وخلال هذه العملية. تُنشّط البكتيريا من شكلها الداخلي في وجود الكربون ومصدر المغذيات في الخرسانة.  وتتفاعل مع الكالسيوم الموجود في الخرسانة. مما ينتج عنه كربونات الكالسيوم التي تعمل كمواد تعزيز لملء الشقوق على طول الطريق إلى السطح”.

وبالنسبة لوقت الإصلاح، فإنه يعتمد على حجم الشق ونشاط البكتيريا، وهي آلية يتم حاليًا دراستها بعمق من قبل الفريق. ولكن المؤشرات الأولية تشير إلى أن البكتيريا قادرة على القيام بمهمتها في غضون يوم أو يومين.

تقنية الخرسانة الذاتية الإصلاح مستوحاة من خصائص جلد البشر

مواجهة التحدي.. سؤالان بلا إجابة

يعبر أستاذ هندسة التشييد في الجامعة الأميركية بالقاهرة، محمد نجيب أبو زيد. عن إعجابه بنتائج الباحثين الذين نجحوا في دراستهم لإصلاح الشروخ في الخرسانة باستخدام البكتيريا. يُظهر أنهم تمكنوا من التغلب على أحد التحديات الرئيسية التي واجهت الأبحاث السابقة، وهي مدى استغراق وقت طويل للبكتيريا لإجراء عمليات الإصلاح. حيث نجحوا في دفع البكتيريا للعمل في فترة زمنية أقل من يومين.

ومع ذلك، يظل هناك سؤالان يبقيان بدون إجابة، حسب رأيه. الأول يتعلق بنوع الشروخ التي يمكن إصلاحها باستخدام البكتيريا، حيث يُشير إلى أن البكتيريا تبدو ناجحة في إصلاح الشروخ الصغيرة والتدريجية. ولكنها لا تبدو قادرة على إصلاح الشروخ الكبيرة والمفاجئة.

السؤال الثاني يتعلق بقدرة البكتيريا على العمل مجددًا بعد إصلاح الشروخ. هل بمجرد نجاح البكتيريا في إصلاح الشروخ مرة واحدة، يمكنها أن تعيد العمل مرة أخرى؟

وعلى الرغم من عدم وجود إجابات حتى الآن على هذين السؤالين. إلا أن نتائج الدراسة تُعتبر خطوة مهمة نحو تطبيق هذه التقنية بهدف زيادة عمر الخرسانة. وهذا سيكون له تأثيرات إيجابية على البيئة والاقتصاد، حيث يمكن تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة عن طريق تمديد عمر الخرسانة وتخفيض تكاليف الإصلاحات والاستبدالات المكلفة.

يُشير أبو زيد إلى أهمية تطوير تقنيات تساهم في إطالة عمر الخرسانة. حيث تُعد الخرسانة واحدة من أكثر مواد البناء استهلاكًا واستخدامًا في العالم.

اقرأ كذلك : بالصور.. تعرف أكثر القطط شهرة في تركيا وقوانين رعايتها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات