“تهنئة رمضان” تكشف عن مدى العداء للإسلام في ألمانيا
تحليل تجذر مشكلة الإسلاموفوبيا في ألمانيا: نقص الجهود الحكومية وتحديات المجتمع في التعايش المتنوع
عندما قامت بلدية مدينة فرانكفورت في ألمانيا بتنوير عدد من المصابيح العامة بتكلفة تبلغ 75 ألف يورو. وألقت عليها كلمات “رمضان سعيد”، كانت هذه اللفتة البسيطة لإظهار التضامن مع المسلمين في شهر رمضان. وهو الشهر الذي يحمل لهم أهمية خاصة.
هذه الخطوة. التي اعتبرها العديد من السياسيين والمواطنين بمثابة تعبير عن التسامح والاحترام للتنوع الديني والثقافي في البلاد. واجهت انتقادات حادة من جانب اليمينيين المتشددين في البلاد. رفع هؤلاء الأصوات اعتراضًا على ما اعتبروه تجاوزًا للحدود في التعبير عن التضامن مع الجالية المسلمة.
رغم هذا التصاعد في موجات العداء، فإن العديد من الشخصيات السياسية البارزة في ألمانيا تؤكد على أهمية قبول واحترام التنوع الديموغرافي. يرى الدكتور يورغن زيميرر، مؤرخًا ومديرًا لمركز الأبحاث التراثية. أن الاحتفال بأعياد الأديان المختلفة ليس تهديدًا بل هو عبارة عن تعبير عن التسامح والتعايش السلمي.
ومع ذلك، تبقى هذه الخطوة جزءًا من حوار أوسع حول دور الإسلام في ألمانيا وكيفية تعزيز التفاهم والتسامح في مجتمع يتسم بالتنوع والتعددية. من المهم التأكيد على أن الاحتفال بأعياد الأديان المختلفة لا يعني التنازل عن القيم الغربية. بل يعني بناء جسور من التفاهم والاحترام المتبادل.
العداء المغلّف: نقاشات وجدل حول تهنئة رمضان في ألمانيا
في برلمان ولاية هيسن، التابعة لها مدينة فرانكفورت في ألمانيا. أثارت مبادرة تهنئة بمناسبة شهر رمضان جدلاً واسعاً. روبرت لامبورو، رئيس مجموعة حزب “البديل من أجل ألمانيا”. عبر عن استيائه من هذه الخطوة، معتبراً أنها تعبر عن “الأسلمة التدريجية” في البلاد. في حين انتقد الاتحاد المسيحي الديمقراطي الخطوة بشدة، مؤكداً على ضرورة عدم تخصيص التهنئة لدين معين.
وفي هذا السياق، أبدى ثيلو زاراتسين، مستشار سابق في برلين، رفضه للاحتفال بمناسبات المسلمين. مشيراً إلى بعض الإحصائيات والمعطيات التي يعتبرها دليلاً على عدم ملائمة الاحتفال بهذه الفعاليات.
وتجلى موقف زاراتسين المعادي للمسلمين في كتابه الذي أدى إلى طرده من حزبه. حيث اتهم بالإسلاموفوبيا والتحريض ضد المسلمين.
على الرغم من الجدل الذي أثارته هذه الخطوة. إلا أنها تعكس جزءاً من الحوار الدائر في المجتمع الألماني حول التعايش والتسامح بين الثقافات والديانات المختلفة. يبقى السؤال المطروح هو كيف يمكن تحقيق التفاهم والاحترام المتبادل دون إثارة الانقسامات والتوترات الزائدة في المجتمع.
“تسامح مفرط” في ألمانيا: جدلات وتصاعد الانقسامات
صاحبة المواقف المعادية للمسلمين، أنابيل شونكه. أثارت الجدل مرة أخرى بنشرها فيديوًا ينتقد فيه “التسامح المفرط” في ألمانيا تجاه الإسلام. تحدثت شونكه عن سحب أشجار عيد الميلاد من بعض دور الحضانة. معبرة عن استيائها من انتشار التقاليد الإسلامية وعدم رغبتها في رؤية أضواء رمضان في الشوارع الألمانية.
ردود الفعل لم تقتصر داخل ألمانيا فقط، بل وصلت إلى صحفيين وأكاديميين خارج البلاد. بينيديكت نيف. من صحيفة “نيو زرويشه تسايتونغ”، اعتبر أن هذا التسامح المفرط يعتبر “كارثة في مفهوم الاندماج” في ألمانيا.
من جهته، يؤكد الدكتور كارستن كوشميدر، أستاذ العلوم السياسية. أن اليمين المتطرف في ألمانيا يركز على تحريض الاستياء ضد المسلمين. ويحاول تغذية الانقسامات بين السكان من هذا الدين. ورغم أن الوقوف ضد الأجانب يُعتبر غير مناسب، إلا أن أن تكون ضد المسلمين يعتبر أمرًا مقبولًا بشكل أكبر. حتى داخل الأحزاب المحافظة ووسائل الإعلام.
تتجلى في هذه الجدلات تصاعد الانقسامات داخل المجتمع الألماني. حيث تتفاوت التفاعلات بين التأييد والرفض للتسامح المفرط أو المعادي للمسلمين. مما يستدعي النظر في آفاق التعايش والتسامح وكيفية تعزيزها دون تصعيد الانقسامات والتوترات في البلاد.
مواصلة ظاهرة الإسلاموفوبيا في ألمانيا
يوضح الأكاديمي يورغن زيميرر أن الخوف من الإسلام يعكس “ذعرًا مصطنعًا” يهدف إلى ترويج فكرة عودة ألمانيا إلى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية. وهو مفهوم يُظهر بوضوح في أفكار النقاء العنصري التي كانت جزءًا من الأيديولوجية النازية. ويحذر من أن هذه الفكرة تمثل تحدياً كبيرًا لتعزيز التعايش والتسامح في ألمانيا.
تؤكد تقارير ودراسات عديدة صدرت في السنوات الأخيرة، والتي أجرتها خبراء تابعون لوزارة الداخلية الألمانية. على انتشار مظاهر المعاداة للمسلمين في المجتمع الألماني. يعاني المسلمون من تهميش واسع. إضافة إلى تصوير الإسلام عمومًا على أنه “دين رجعي”، مما يسهم في زيادة حالات الانقسام والتوترات في البلاد.
وفي دراسة أُجريت عام 2019. أكدت مؤسسة بيرتلسمان الألمانية أن أكثر من نصف سكان البلاد يرون الإسلام كتهديد واضح للمجتمع. بدلًا من رؤيته كمصدر غنى وتنوع ثقافي.
تُسلط هذه الأحداث الضوء مجددًا على موضوع تصاعد الإسلاموفوبيا في ألمانيا، حيث لم يكن شهر رمضان بمنأى عن الانتقادات والتنديد من قبل بعض الأفراد والجهات، مثل دعوة أحد النواب البرلمانيين في العام 2018 لمنع تشغيل الأطباء والسائقين المسلمين خلال صيامهم في رمضان، مما يعكس استمرار تحديات التعايش والتسامح في المجتمع الألماني.
جهود ضعيفة في محاربة الإسلاموفوبيا في ألمانيا
تشير التقارير إلى أن الحكومة الفدرالية الألمانية لا تزال تفتقر إلى مفوض مخصص لمكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا. على الرغم من تقارير الخبراء المستقلين التي تشير إلى انتشار هذه الظاهرة في المجتمع الألماني.
على الرغم من الحزم التي تتخذها الحكومة ضد هجمات معاداة السامية. فإنها لا تظهر نفس الصرامة في مواجهة معاداة المسلمين. التي أصبحت أمرًا شائعًا في وسائل الإعلام الألمانية وشبكات التواصل الاجتماعي. وتُنظر إليها عادة باعتبارها تعبيرًا عن حرية الرأي.
يؤكد الأكاديمي يورغن زيميرر أهمية مكافحة معاداة السامية كجزء من الهوية الألمانية. ويشير إلى أن الدرس الرئيسي المستفاد من تاريخ النازية هو التخلي عن المفهوم العنصري واعتماد مفهوم أوسع يعتمد على المواطنة.
ويرى زيميرر أن رهاب الإسلام يعبر عن غيرية مخفية، حيث يتم اعتبار المسلمين ك”آخر” و”غير أصلي”. دون إعلان صريح لذلك.
من جانبه، يُشير الأستاذ كارستن كوشميدر إلى تغير الآراء حتى بين الفئات المعتدلة واليسارية. حيث يتم التشكيك في ملاءمة الإسلام للديمقراطية أو التصوير السلبي للمرأة. ويلاحظ كوشميدر أن حزب “البديل من أجل ألمانيا” يستغل قضايا معاداة المسلمين لجذب دعم أوسع من الجمهور.
اقرأ كذلك: نساء أجنبيات يعتنقن الإسلام بسبب صمود الفلسطينيين في غزة