مدونات

فكرة توطين اللاجئين في بلد ثالث تنتشر بقوة في أوروبا

إسرائيل ورواندا: تاريخ مشترك في برامج ترحيل اللاجئين إلى بلد ثالث

ما زالت مشكلة المهاجرين غير النظاميين تمثل إحدى أكبر التحديات التي تواجه الحكومات الأوروبية المتنوعة. هذه المسألة أثرت سلباً على العلاقات البينية داخل الاتحاد الأوروبي. وخاصة بين الدول الواقعة على مسار المهاجرين مثل اليونان وإيطاليا من ناحية. وبين الدول الأوروبية الداخلية ذات الاقتصادات القوية من ناحية أخرى.

تقتضي اتفاقية دبلن، التي تنظم شؤون الهجرة بين دول الاتحاد الأوروبي. أن تتحمل البلد الأول الذي يصل إليه طالب اللجوء مسؤولية معالجة طلبه. هذا الأمر وضع عبئاً كبيراً على الدول الأوروبية المتوسطية التي تكون هناك أول نقطة وصول لقوارب المهاجرين. على الرغم من التعديلات المتعددة في هذه الاتفاقية. إلا أن تزايد أعداد المهاجرين الهاربين من مناطق النزاع في أفريقيا والشرق الأوسط. أدى إلى تعميق التحديات وتصاعد الانقسامات بين الأحزاب السياسية. وكان ذلك في ظل فشل السياسات الحكومية في السيطرة على تدفق المهاجرين.

خطة رواندا: تحول اللاجئين في أوروبا إلى جدل قانوني وإنساني

في إطار جهودها المستمرة لإيجاد حلاً مبتكرًا للتعامل مع مشكلة الهجرة غير النظامية في أوروبا. ظهرت مؤخرًا مبادرة تعرف بـ “خطة رواندا”، والتي لم تُنفذ على أرض الواقع حتى الآن. تمت تلك الخطة بدعم من ثلاث حكومات متعاقبة في المملكة المتحدة، ورغم تبنيها. فإنها تواجه تحديات قانونية كبيرة على الصعيدين الأوروبي والبريطاني.

تعتمد الخطة البريطانية على نقل اللاجئين إلى بلد ثالث يُعتبر “آمنًا” خارج أوروبا. تم توقيع ما لا يقل عن ثلاث اتفاقيات بين وزارة الداخلية البريطانية ورواندا في محاولة من بريطانيا لتفادي التحديات القانونية التي تواجه تنفيذ الخطة. تُسعى هذه الاتفاقيات لمعالجة مخاوف المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والمحكمة العليا البريطانية التي اعتبرتا الخطة غير قانونية بناءً على أن البلد الثالث المُعتزم نقل اللاجئين إليه ليس آمنًا. وهذا ما عرقل تنفيذ الخطة حتى الآن.

“رائد”، اللاجئ السوري الذي وصل إلى بريطانيا مؤخرًا عبر القناة الإنجليزية على متن إحدى القوارب الصغيرة. أعرب عن قلقه العميق إزاء تنفيذ خطة نقل اللاجئين إلى رواندا. وأشار إلى أن الشروط المطلوبة لنقل اللاجئين إلى رواندا تنطبق عليه بالكامل. وعلى الرغم من عدم وضوح المعايير بشكل دقيق، إلا أن وزارة الداخلية البريطانية حددت أن المرحلة الأولى ستستهدف البالغين غير المتزوجين الذين يصلون إلى البلاد عبر طرق خطيرة مثل القوارب الصغيرة بدءًا من الأول من يناير 2022.

رائد يضيف أن حياته ستتحول إلى جحيم إذا تم اختياره لتنفيذ هذه الخطة، وأنه سيتمسك بحقوقه حتى وإن كلفته حياته. وأوضح أنهم لم يفروا من الحرب في سوريا ويجتازون كل هذه المخاطر ليجدوا أنفسهم في أفريقيا. الشاب البالغ من العمر 22 عامًا يعاني من حالة نفسية تسببت في استدعاءات متكررة لرؤية الطبيب منذ وصوله إلى بريطانيا.

نموذج يُشاهد عن كثب

في حين أثارت قرارات المحكمة القانونية ارتياحًا لدى نشطاء حقوق الإنسان ومنظمات اللاجئين والمهاجرين أنفسهم. إلا أن هذه الأحكام ساهمت في تعزيز قبول مبدأ الترحيل إلى بلد ثالث. شريطة توفر شروط الأمان والمعايير المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية. وهذا الموقف دفع حكومات أوروبية أخرى إلى مناقشة نموذج رواندا كحلا لمشكلة اللاجئين غير النظاميين، على الرغم من موقف المحكمة.

ففي ديسمبر الماضي، أعرب المستشار الألماني أولاف شولتز عن موافقته المبدئية على مناقشة فكرة رواندا. جاء ذلك خلال اجتماعات مع قادة الولايات الألمانية. في محاولة من حزبه للتصدي لتقدم اليمين المتطرف في قضايا الهجرة.

وبينما تواجه مقترحات ترحيل اللاجئين معارضة واسعة من قبل الجمعيات الحقوقية في ألمانيا. بدأت أحزاب سياسية ألمانية أخرى في الترويج لقبول الفكرة. حيث أيد الحزب الديمقراطي الحر في ألمانيا الفكرة، إضافة إلى تأييد تيارات واسعة داخل الحزب الديمقراطي الاشتراكي الحاكم.

في هذا السياق، صوت البرلمان الدانماركي في عام 2021 لتبني برنامج إعادة توطين اللاجئين في بلد ثالث. وذلك في إطار سياسة “صفر لاجئين” التي اعتمدتها حكومة الحزب الديمقراطي الاشتراكي آنذاك. وعلى الرغم من عدم تحديد الدانمارك الدولة التي ستُرحَّل إليها اللاجئين، قام وزير الهجرة آنذاك. ماتياس تيسفاي، بزيارة مفاجئة إلى رواندا في نفس العام لتوقيع مذكرة تفاهم حول المشروع.

وعلى الرغم من ذلك، عارضت منظمات غير حكومية بشدة خطوة البرلمان الدانماركي. بما في ذلك المجلس الدانماركي للاجئين، الذي انتقد النواب الذين صوتوا لصالح المشروع. وفي الوقت نفسه. قامت الدانمارك بإلغاء إقامات المئات من اللاجئين السوريين بحجة قدومهم من منطقة دمشق. التي صنفتها دائرة الهجرة الدانماركية على أنها منطقة آمنة. وفي السياق نفسه. أعلنت الحكومة نيتها استقبال 100 ألف لاجئ من أوكرانيا، رغم تبنيها لسياسة “صفر لاجئين”.

في محادثتي مع إيفا سينغر، مديرة قسم اللجوء في المجلس الدانماركي للاجئين. أشارت إلى أن المشروع الدانماركي كان يمثل رغبة سياسية لحكومة الحزب الديمقراطي الاشتراكي. في حين تتبنى حكومة الائتلاف الحالية الخطة نفسها، ولكن ضمن إطار التعاون مع الاتحاد الأوروبي أو مع عدة دول أخرى داخل الاتحاد.

اتفاق أوروبي شامل: السعي الجماعي للتعامل مع مشكلة اللاجئين

بالإضافة إلى الجهود الجادة التي تبذلها المملكة المتحدة لتنفيذ خطة رواندا. قامت الحكومة الدانماركية بخطوات ملموسة في سبيل التوصل إلى حلاً لمشكلة اللاجئين على مستوى الاتحاد الأوروبي. وقد قامت حكومة الدانمارك بتعليق المحادثات مع رواندا بشأن إقامة مراكز استقبال لللاجئين هناك. وذلك بهدف تمهيد الطريق لاتفاق مشابه على مستوى الاتحاد الأوروبي. وعبّر وزير الهجرة الدانماركي، كار ديبفاد. عن استمرار تطلع حكومته لتحقيق هذا الهدف، ولكن بأساليب مختلفة، مما يشير إلى محاولات تطوير مشروع أوروبي على مستوى الاتحاد. وأوضح أن حكومته تسعى إلى إنشاء مراكز استقبال بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي أو مجموعة من الدول الأخرى.

مع هذا، أكدت إيفا سنغر، المسؤولة في المجلس الدانماركي للاجئين، أن المخاوف لا تزال قائمة. فالدانمارك، تمامًا مثل الاتحاد الأوروبي، تسعى إلى تحميل طرف ثالث خارج الاتحاد مسؤولية حماية اللاجئين. بدلاً من تحمل المسؤولية ذاتها. وسألت سنغر عن حقوق اللاجئين في تلك البلدان. وعن تاريخ هذه الدول في حماية اللاجئين. وتساءلت عن معنى “الترحيل إلى بلد ثالث” بالنسبة للأشخاص اللاجئين. وقالت: “إذا كانت هناك دولة تحاول أن تتجنب مسؤولياتها. فكيف سيؤثر ذلك على اللاجئين؟” وأشارت إلى أن هناك قائمة طويلة من القضايا التي يجب توضيحها بوضوح قبل البدء في النقاش، وبناءً على ذلك يمكن مناقشة ما إذا كانت الدولة المُحددة تُعتبر آمنة بشكل كاف. وتشكك سنغر في أن هناك جانبًا سياسيًا في المشروع دائمًا.

وتسعى ألمانيا أيضًا إلى الدفع نحو اتفاقية على مستوى الاتحاد الأوروبي لإعادة توطين اللاجئين في بلد ثالث. وقد ناقشت دوائر اتخاذ القرار الألمانية إمكانية التعاون مع عدة دول بالإضافة إلى رواندا، مثل السنغال والمغرب. وتسعى ألمانيا في هذا السياق إلى دفع الاتحاد الأوروبي نحو تطوير نماذج مشابهة .

إسرائيل ورواندا: رحلات الترحيل الأولى

لا يمثل برنامج إعادة ترحيل اللاجئين إلى رواندا سابقة عالمية، حيث كشفت هيئة البث البريطانية “بي بي سي” عن وجود اتفاق ترحيل تم عام 2015 بين إسرائيل ودولة ثالثة لم تُعلن رسميا، لكن تقارير إعلامية تشير إلى أن هذه الدول هي رواندا وأوغندا. وتم ترحيل حوالي 20 ألف لاجئ ضمن هذا البرنامج أو برامج مشابهة بحلول عام 2018.

لكن فكرة الترحيل إلى بلد ثالث ليست محصورة على رواندا فقط. حيث نفذت الحكومة الأسترالية برنامج الترحيل إلى بلد ثالث منذ عام 2001. حيث بدأ البرنامج بإقامة مراكز احتجاز للمهاجرين في مناطق خارج الأراضي الأسترالية. وكانت جزر المحيط الهادئ مثل ناورو وبابوا غينيا الجديدة وجهات رئيسية لبرنامج الترحيل الأسترالي. حيث أعلنت وكالة الحدود الأسترالية أن أكثر من 4 آلاف مهاجر تم نقلهم إلى هذه البلدان بين 2012 و2019. وقد أشارت “بي بي سي” إلى أن 13 مهاجرًا من هؤلاء فقدوا حياتهم بسبب العنف أو نقص الرعاية الصحية أو الانتحار.

حكومة رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك. قامت بطرح مشروع قانون بعنوان “أمان رواندا” في مجلس العموم البريطاني لمعالجة مخاوف المحكمة العليا البريطانية بشأن قانونية خطة الترحيل إلى رواندا. على الرغم من المعارضة الشديدة للقانون الجديد، تمكن سوناك من تمرير المشروع داخل البرلمان. ومن المتوقع أن يتم تمرير القانون بمراحل أخرى في مجلس النواب قبل أن يصبح نافذًا.

اقرأ كذلك : كيف يجذب الجيش الإسرائيلي المرتزقة وأصحاب الجنسيات المزدوجة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات