المشاركة النسائية في الجيش الإسرائيلي .. التحديات والإسهامات
تحول دور المجندات الإسرائيليات والتحديات التي تواجههن في خدمة الجيش والصدمات التي تكتسبها المناطق الحدودية
سقطت عشرات المجندات الإسرائيليات ضمن القتلى والأسرى خلال عملية “طوفان الأقصى” صبيحة 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أثناء خدمتهن في غرف المراقبة بالمواقع العسكرية في غلاف غزة. هذه الأحداث تسلط الضوء على المهام الحرجة التي يؤدينها والنسبة المهمة التي تشكلها هؤلاء النساء ضمن مجموع الجيش الإسرائيلي.
التجنيد الإجباري للنساء في إسرائيل: السياق والتطورات
إسرائيل تعتبر واحدة من الدول القليلة في العالم التي تفرض الخدمة العسكرية الإلزامية على النساء. وذلك استنادًا إلى نظرية “جيش الشعب” التي تهدف إلى تجنيد أكبر عدد ممكن من المواطنين الإسرائيليين لضمان توفير قوة جيش قوية. وخاصةً فيما يتعلق بقوات الاحتياط. هذا الإجراء يأتي تحت ضغط محدودية السكان في إسرائيل مقارنةً بعدد العرب والمسلمين في الدول المجاورة.
تشير الباحثة الإسرائيلية أييليت شاليف إلى أن نسبة المجندات في الجيش الإسرائيلي تعود إلى النساء اليهوديات اللواتي خدمن في الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية. حيث تم تنظيمهن في الفيلق النسائي بالجيش الإسرائيلي بعد إعلان تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948.
حدث انقسام في الآراء بين قادة إسرائيل آنذاك بشأن إلزام النساء بالتجنيد الإجباري. رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون حسم الجدل بقوله “نحن قليلون، وأعداؤنا كثيرون، إذا وقعت حرب فسوف يذهب الرجال للقتال. وإذا لم يكن للنساء اللواتي يحمين أطفالهن في المنزل خبرة في استخدام السلاح. فماذا ستكون نهايتهن إذا تعرضن لهجوم العدو؟” ومع ذلك، فُرضت استثناءات على التجنيد للنساء العربيات والنساء اليهوديات المتدينات “الحريديم” بسبب أسباب دينية وسياسية.
منذ ذلك الحين وحتى الوقت الحالي، تشكل النساء نحو ثلث قوات الجيش الإسرائيلي. ولكن على مر السنوات نسب القتلى منهن كانت كبيرة، حيث بلغ عدد القتلى منهن في عمليات عسكرية منذ عام 1948 حوالي 600 مجندة وضابطة.
التجنيد وتوزيع المهام في الجيش الإسرائيلي
في إسرائيل، تفرض الخدمة الإلزامية في الجيش على الشبان والشابات عند بلوغهم سن الـ18. ولكن هناك اختلافات بين فترات خدمة الذكور والإناث. حيث يكون الحد الأدنى لفترة الخدمة الإلزامية للنساء عامين. ويمكن أن تمتد إلى 7 سنوات، بينما يتم تجنيد الذكور لمدة عامين ونصف على الأقل.
تشترط خدمة الاحتياط تجنيداً سنوياً يتراوح بين 21 و45 يومًا للرجال حتى سن الـ44.
في حالة الزواج، تصبح المرأة غير ملزمة بالخدمة الإجبارية، ولكن لديها الخيار بالاستمرار في الجيش بشكل طوعي. هذا يعكس رؤية تُعطي الأولوية للواجبات العائلية للمرأة. نظرًا لأهميتها كدعامة للاستقرار الاجتماعي.
ومع ذلك، يتم استخدام بعض النساء أحيانًا استراتيجيات مثل الزواج الشكلي أو دراسة التوراة للابتعاد عن الخدمة الإلزامية. يعتبرون هذه الخدمة مضيعة للوقت وعائقًا أمام التعليم والعمل والتوفير المالي.
في العقود الأولى من احتلال فلسطين، كانت مهام المجندات الإسرائيليات تتركز بشكل رئيسي في المهام غير القتالية. مثل العمل في مجال التمريض والتعليم والخدمات الاجتماعية، بالإضافة إلى الأعمال الإدارية مثل السكرتارية وتشغيل الهواتف وأجهزة الاتصالات.
نقطة تحول: دور المرأة في الجيش الإسرائيلي
في عام 1994، شهدنا تحولًا مهمًا عندما تقدمت أليس ميلر، مستوطنة قادمة من جنوب أفريقيا. بطلب استئناف أمام القضاء بعدما رفض الجيش منحها فرصة إجراء اختبارات القبول في مدرسة الطيران التابعة لسلاح الجو بسبب جنسها. قضت المحكمة العليا بأنه لا يمكن التمييز بين الجنسين فيما يتعلق بالالتحاق بمدرسة الطيران.
رغم أن ميلر لم تنجح في اجتياز الاختبارات لاحقًا. إلا أن هذا الحكم فتح الباب أمام النساء للانضمام إلى مدرسة سلاح الجو. تخرج أول فوج من النساء من هذه المدرسة في عام 1998. ومن ثم تمت تعديلات على قانون التجنيد في عام 2000 لتمكين النساء من خدمة الجيش في جميع فروعه. بما في ذلك البحرية والمدفعية ووحدات الإخلاء الطبي الجوي، بالإضافة إلى قوات حرس الحدود.
سُست سرية كاراكال كوحدة مشاة مختلطة تتألف أكثر من 70% من نساء. وقامت بدوريات لحراسة الحدود مع مصر. في عام 2011، وخلال تولي إيهود بارك وزارة الدفاع، تم ترقية الضابطة أورنا باربيفاي إلى رتبة لواء “ميجور جنرال”. لتصبح أول امرأة في تاريخ الجيش الإسرائيلي تحصل على هذه الرتبة العسكرية الرفيعة وتتولى مديرية القوى العاملة في الجيش.
ووفقًا لدراسة نُشرت عام 2020 من قبل الباحث الإسرائيلي هرئيل شاليف. ارتفعت نسبة المجندات في المواقع القتالية من 3% في عام 2015 إلى 8% في عام 2019. كما أعلن الجيش الإسرائيلي في عام 2020 أن 92% من وحداته العسكرية أصبحت مفتوحة لتجنيد النساء فيها.
جدل حول خدمة النساء في الجيش الإسرائيلي
برز رد فعل عكسي من الحاخامات والقادة الدينيين في إسرائيل بعد توسيع دور النساء في بعض الوحدات العسكرية. حيث أعربوا عن مخاوفهم من عدم مراعاة قواعد الاحتشام اليهودية. وهذه المخاوف تتعلق بقضية تقديم خدمة عسكرية مشتركة للرجال والنساء في وحدات مثل المدرعات. مما يتعارض مع مفهوم الفصل بين الجنسين الذي يسود في مجتمع إسرائيل، سواء في مجال التعليم أو خلال الصلوات.
تتوقف التعليمات الدينية على تجنيد الرجل والمرأة معًا في نفس الدبابة. وتمنع المرأة من خدمة كمدربة في وحدات النخبة. هذا الجدل مستمر نظرًا للارتباط الوثيق بين الخدمة العسكرية والعادات والتقاليد الدينية والاجتماعية في إسرائيل. وهو ما يتطلب من صانعي القرار مراعاة متطلبات الطوائف المتدينة بجانب تلك للمكونات العلمانية في المجتمع.
مع تقدم تقنيات التسليح خلال العقدين الأخيرين وظهور الطائرات المسيرة التي تتطلب غرف تحكم أرضية. وإنشاء جدار عازل حول قطاع غزة مزود بأجهزة مراقبة متطورة. توسعت فرص الخدمة العسكرية لتشمل مجالات تعتمد على المهارات الذهنية والتركيز أكثر من القوة البدنية. هذا التحول يتيح للمجندات أداء دور أكبر في مهام الدعم القتالي.
وقد ازداد عدد المجندات الإسرائيليات في غرف الحرب التكتيكية التي تعمل كمراكز قيادة لتنسيق الأنشطة العسكرية. وذلك بشكل خاص في مناطق قريبة من ساحات المعركة مع غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا.
المجندات الإسرائيليات: بين الدور والتحديات
أجرت الباحثة الإسرائيلية أييليت شاليف دراسة ميدانية في عام 2021 تستند إلى لقاءات مباشرة مع 40 جندية إسرائيلية يخدمن في غرف الحرب الواقعة بالقرب من قطاع غزة لفهم تجربتهن العسكرية.
أكدت المجندات دورهن الحيوي كعيون وآذان للجيش الإسرائيلي. حيث يقمن برصد ميدان القتال بشكل دقيق عبر تقنيات المراقبة والمشاركة في جمع المعلومات الاستخبارية. وتوجيه الطائرات المسيرة نحو الأهداف، ومساعدة الجنود في أداء مهامهم القتالية. ومراقبة عمليات نقل الجرحى. كل هذا يتطلب منهن اليقظة والتركيز والعمل تحت ضغط. مع تحملهن للصدمات النفسية نتيجة مشاهدتهن للأحداث القتالية عبر الشاشات.
ومع ذلك، تفاقمت التحديات بعد الاشتباكات التي جرت قرب الحدود مع قطاع غزة. حيث سُجِل سقوط العديد من المجندات بيد المقاومة الفلسطينية. هذا الواقع يشكل تحدًا جديدًا لتوسيع دور النساء في الخدمة العسكرية. ويضيف عقبة إضافية لاعتراض التيارات الدينية على تواجد النساء بجوار الرجال في الجيش.
هناك أيضًا مشكلة تتعلق بالتحرش الجنسي والاعتداء داخل الجيش. حيث يُبلغ عن أكثر من 1500 حالة تحرش سنويًا. هذا يثير تساؤلات حول قدرة النساء على الخدمة العسكرية والحفاظ على سلامتهن.
لقد تحولت المجندات إلى مأساة داخل المجتمع الإسرائيلي بعد سقوط العديد منهن بيد المقاومة وفشل محاولات إنقاذ الأسيرات. تحولت هذه القضية إلى موضوع حساس في ملف تبادل الأسرى. وزادت من أهمية مناقشة دور وتحديات المجندات في خدمة الجيش الإسرائيلي.
اقرأ كذلك: كاتب إسرائيلي يتحدث عن توسيع الحدود إلى مكة والمدينة وجبل سيناء