تعليم وصحةصحة

تقنية الأشرطة الفموية .. استثمار مبتكر في مجال الأدوية

الأشرطة الفموية: تكنولوجيا مبتكرة تشهد انتشاراً متزايداً وتحديات مستمرة في مستقبل الرعاية الصحية

يُعتَبَر تناول الأدوية عبر الفم هو الأسلوب المفضل لدى معظم المرضى في تناول الأدوية. وذلك مقارنة بجميع أشكال توصيل الدواء الأخرى. شهدت الأبحاث المتواصلة في هذا المجال تطورًا ملحوظًا في شكل وتقنية الأدوية المعدة للاستخدام الفموي. حيث تنوعت من الأقراص والكبسولات التقليدية إلى الحبوب السريعة الذوبان وأخيرًا إلى الأشرطة الفموية الرقيقة والسريعة الذوبان.

تجذب الأشرطة الفموية اهتمامًا متزايدًا في السنوات الأخيرة، نظرًا لقدرتها على حل العديد من المشكلات المتعلقة بالأدوية بطرق أكثر فاعلية من الأشكال الأخرى. خاصة بالنسبة للأطفال وكبار السن. فالأطفال غالبًا ما يرفضون تناول الأدوية السائلة بسبب طعمها أو لأسباب أخرى. وتكون الحقن مصدرًا للقلق بالنسبة لهم.

من ناحية أخرى، يواجه كبار السن صعوبة في البلع نتيجة لنقص إفراز اللعاب الذي يزداد مع التقدم في العمر. مما يجعل تناول الحبوب أو الكبسولات الكبيرة تحديًا في حياتهم اليومية.

تصنع الأشرطة الفموية عادة بأحجام وأشكال متنوعة، تشبه حجم الطوابع البريدية، وبمجرد وضعها في الفم. تبدأ بالتحلل تحت تأثير اللعاب وتذوب بالكامل في مدة زمنية محددة مسبقًا. مما يتيح بدء عملية الامتصاص في الجسم على الفور.

الأشرطة الفموية: دقة وسهولة في تناول الأدوية

يشير الباحثون إلى أن تقنية الأشرطة الفموية تُقدم مستوى عاليًا من الدقة في تقديم الجرعات الدوائية. حيث يمكن أن تكون أكثر دقة بمقدار أربعة أضعاف مقارنة بالأدوية السائلة. التي يمكن أن تكون غير دقيقة في توصيل الجرعة المناسبة. وفيما يتعلق بالأشرطة الفموية، يتم تعبئة كل شريط بجرعة محددة وتغليفه بشكل منفصل تمامًا. مما يجعلها تشبه الحبوب والكبسولات من حيث الدقة. لكنها تتفوق عليهما بما تضمنه من تجنب مشكلات الاستنشاق أو الاختناق التي قد تحدث عند تناول الأدوية السائلة أو الحبوب.

هذه التقنية أيضًا تضمن نسبة امتصاص عالية نتيجة للوجود الغني للأوعية الدموية في بطانة الفم ومنطقة تحت اللسان. مما يساعد في توصيل الدواء مباشرة إلى الدم، دون أن يتعرض لعملية الهضم. وهذا يجعلها خيارًا ممتازًا للمرضى الذين يعانون من مشاكل مثل الغثيان والقيء أو صعوبة امتصاص الأدوية في الأمعاء. بالإضافة إلى ذلك، تزيد هذه التقنية من التوافر البيولوجي للدواء. مما يقلل من الحاجة إلى جرعات أعلى وبالتالي يساهم في تقليل الآثار الجانبية للدواء.

لا يمكن تجاهل سهولة استخدام الأشرطة الفموية ومدى تحسين راحة المريض بشكل لا يمكن مقارنته مع أي شكل دوائي آخر. فهي لا تتطلب شرب الماء أثناء تناولها. وتساعد في التغلب على مشكلة الطعم الغير محبب للأدوية. وإلى جانب ذلك. فهي سهلة النقل والتخزين، مما يجعلها خيارًا مريحًا للمرضى.

الأشرطة الفموية: صديقة للبيئة ومُستدامة

من زاوية مختلفة، يُشير الباحثون إلى أن هذه التقنية يمكن أن تُعتَبَر صديقة للبيئة بشكل كبير مقارنة بالأدوية التقليدية. يعود ذلك إلى أنها لا تتطلب أي تصنيع إضافي لأجهزة أو أدوات بجانب الدواء نفسه، مثل الإبر والمحاقن. ولا تحتاج إلى أدوات قياس متعددة مثل الملاعق والأكواب المخصصة التي يُستخدمون مع الأدوية السائلة. هذا يعني أن استخدام الأشرطة الفموية يسهم في تقليل الفاقد والتلوث البيئي الناجم عن التصنيع والتخزين والتخلص من هذه الأدوات.

بفضل هذا الجانب البيئي الملموس. يمكن القول إن التقنية تمثل خيارًا مستدامًا يعمل على الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية بشكل أفضل بالمقارنة مع الأساليب التقليدية لتوصيل الأدوية.

تصنيع الأشرطة الفموية: البساطة والتحديات الكبيرة

تعد البوليمرات أساسية في صناعة الأشرطة الفموية. حيث يتم ذوبانها في الماء للحصول على محلول يُضاف إليه باقي المكونات والجرعة الدوائية المطلوبة. بعد ذلك، يُصب هذا المحلول في قوالب ويُعرض للحرارة في أفران خاصة لتجفيفه. وبهذه الطريقة يتم إنتاج الأشرطة التي يتم قصها وتغليفها حسب الحاجة. تُعرف هذه الطريقة باسم “طريقة صب المذيبات” (Solvent Casting Method) وهي واحدة من أشهر طرق تصنيع الأشرطة الفموية.

ومع ذلك، تواجه هذه التقنية تحديات كبيرة، مثل صعوبة إذابة الأدوية غير القابلة للذوبان في الماء في المحلول البوليمري. لذلك، يعمل الباحثون حاليًا على ابتكار طرق تصنيع بديلة. وقد بدأوا مؤخرًا باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج هذه الأشرطة.

بالإضافة إلى ذلك، تتطلب هذه الأشرطة تغليفًا خاصًا بسبب قابليتها للذوبان عند تعرضها لمستويات قليلة من الرطوبة. وبسبب قدرتها على حمل جرعات دوائية محدودة، يتم استخدامها بشكل محدود مع الأدوية التي تتطلب جرعات كبيرة.

والأمر الأهم هو أن طرق تصنيع وقياس كفاءة هذه الأشرطة لم تتم توحيدها بعد في دساتير الأدوية الأمريكية والدساتير الأخرى المشابهة. وهذه الدساتير تعد المرجعية الرئيسية للمعلومات حول الأدوية المتاحة ومواصفاتها وطرق تصنيعها. ولذلك، يعتمد الباحثون على إرشادات الاختبار لقياس ذوبان هذه الأشرطة وفعاليتها. مستندين إلى التقنيات المُوصى بها في دساتير الأدوية الفموية الأخرى مثل الحبوب والكبسولات.

مستقبل واعد وتحديات مستمرة في تقنية الأشرطة الفموية

تشير التوقعات إلى أن تقنية الأشرطة الفموية الدوائية ستشهد انتشارًا أكبر في الأسواق الأمريكية الشمالية وأوروبا في المستقبل القريب. يعزى هذا الانتشار إلى شيوع استخدام الأشرطة الفموية في مجالات غير دوائية سابقًا. مثل أشرطة تغيير رائحة الفم، والميلاتونين، والفيتامينات.

تجدر الإشارة إلى وجود انتشار محدود بالفعل لبعض الأدوية على هيئة أشرطة فموية في هذه الأسواق. مثل دواء الحساسية والزكام “بينادريل” (Benadryl) من شركة فايزر الأمريكية. و”غاز إكس” (Gaz-x) لعلاج الغازات والانتفاخات من شركة نوفارتس.

وفي هذا العام، قامت إحدى الشركات الكندية بإطلاق أشرطة فموية تحتوي على مادة الـ”ليدوكائين” (Lidocain) المخدرة الموضعية، مما يتيح إجراء الإجراءات والعمليات السنية دون الحاجة للحقن.

من المتوقع أن يبدأ انتشار هذا الشكل الدوائي على نطاق أوسع باتجاه الشرق في الفترة بين عامي 2025 و2028. ووفقًا لتقرير “فورتن بزنس إنسايتس”. يُتوقع أن يصل حجم سوق الأشرطة الفموية العالمي إلى 16.27 مليار دولار أمريكي في عام 2028. مع معدل نمو سنوي يبلغ 10.5٪ خلال الفترة من 2021 إلى 2028.

وبهدف توسيع مجال البحث والدراسات ليشمل خيارات دوائية متعددة. حصلت شركة “إنتل جينكس” على موافقة من الوكالة السويدية للمنتجات الطبية (MPA) لإجراء تجربة المرحلة الثانية لدواء المونتيلوكاست (Montelukast) على شكل أشرطة فموية لعلاج المصابين بمرض باركنسون في مراحله المبكرة والمتوسطة. ومن المتوقع أن تبدأ التجربة في استقطاب المرضى للمشاركة في الدراسة في الربع الأول من عام 2024.

وفي سياق آخر، يؤكد الباحثون في إحدى الجامعات البرتغالية على أهمية توسيع نطاق البحث والتطوير ليشمل أيضًا الأدوية المخصصة للأمراض والاضطرابات النفسية.

اقرأ كذلك: هل للعدسات اللاصقة تأثير على جفاف العين؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات