تزايد القلق بين مسلمي أوروبا نتيجة للتصاعد العنيف في غزة
تعيش مسلمو أوروبا حالةً متزايدة من القلق والتوتر، حيث يتفاقم الشعور بالخطر بشكل ملحوظ منذ بدء العدوان على قطاع غزة. الأحداث الراهنة في المنطقة تتسبب في تأثيرات سلبية على المجتمع المسلم في أوروبا، مما يعزز الحاجة إلى فهم أفضل لتلك الديناميات والتفاعلات المعقدة.
شهدت حملة “تِل ماما” البريطانية تسجيل أكثر من 700 حادث معادٍ للإسلام في بريطانيا. منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مما يمثل زيادة بنسبة تفوق 7 أضعاف مقارنةً بالشهر السابق. وفي سياق متصل، أعلن نائب رئيس المجلس الإسلامي الفرنسي، عبد الله ذكري. عن استلام المجلس 42 رسالة تحتوي على تهديدات أو إهانات خلال أقل من شهر منذ معركة طوفان الأقصى. وفي تصريحاته. أشار ذكري إلى توقفهم عن الإبلاغ عن تلك التهديدات نظرًا لتزايد الاستهداف للمساجد برسائل الكراهية والعنصرية. يتجلى ارتفاع حوادث الاعتداء تحت بند الكراهية في البيانات الرسمية، والتي تستهدف المسلمين في بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وتكشف عن واقع تفاوت نسبي، دون إدراج حوادث لم يتم تسجيلها، مثل استهداف الأطفال في المدارس أو الاعتداء على المساجد.
التصاعد الخطير لـ “مسيرات الكراهية” في أوروبا تثير قلق المسلمين
شددت الأمينة العامة للمجلس الإسلامي في بريطانيا، زارا محمد. على أن تصنيف الحكومة البريطانية للاحتجاجات الداعمة للفلسطينيين بأنها “مسيرات كراهية” يجعل من الصعب الدفاع عن حقوق المسلمين أو الفلسطينيين في حال تعرضهم للاعتداء. وأضافت محمد أن هذا التصنيف يشكل “تحريضًا على التصادم بين المجتمعات. وهو أمر يشكل خطرًا كبيرًا على وحدة المجتمع”.
من جهته، أفاد رشيد عبدوني، رئيس جمعية تشرف على أحد المساجد في باريس. أن الشرطة الفرنسية رفضت توفير حماية إضافية حول المسجد بعد تلقي تهديد بحرقه من قبل منتمٍ لليمين المتطرف. وأشار إلى أن هذا الرفض يثير قلقًا خاصًا في ظل تزايد حالات الاعتداء.
وتعرض مكتب عضو البرلمان في برلين حيان عمر لثلاث حوادث اعتداء متنوعة، مما يبرز التصاعد المقلق للكراهية والعنف. في تعليقه على هذه الحوادث، عبَّر عمر عن شعوره بالوحدة وسط عدم تأمين الأمان الكافي من قبل الشرطة. مما يثير تساؤلات حول حماية الأفراد ذوي المناصب الرسمية وتأمين الأمان للجميع.
التردد في الإبلاغ: تزايد الخوف يحول دون توثيق جرائم الكراهية ضد المسلمين
أشار عبد الله ذكري إلى أن “الغالبية الكبيرة من المسلمين يتجنبون تقديم شكوى عند تعرضهم لهذه الأفعال العدائية”. حيث يخشون أن يؤدي ذلك إلى إضاعة الوقت في قضية قد يتم تجاهلها في النهاية.
من جانبها، أوضحت ريما هنانو، عضو منظمة “كليم” غير الحكومية في ألمانيا. أن “الشرطة في كثير من الحالات لا تسجل الجرائم المعادية للإسلام تحت هذا العنوان، بل تصنفها كأضرار في الممتلكات”.
وأشارت هنانو إلى أن الأفراد الذين يتعرضون لهذه الجرائم يشعرون بالقلق من التوجه للسلطات. مشددة على “خوفهم من التعرض لإيذاء إضافي، أو عدم تصديق شكواهم، أو تصويرهم على أنهم هم الجناة”.
التصدي للكراهية: ردود فعل رسمية من حكومات أوروبا
أكدت الحكومة البريطانية رفضها القاطع لجرائم الكراهية. سواء كانت تستهدف معاداة السامية أو تظاهرات الكراهية ضد المسلمين. وأعلنت وزارة الداخلية الألمانية أنها تعمل على مواجهة جميع أشكال جرائم الكراهية. بما في ذلك تلك التي تستهدف المسلمين بشكل صريح، مشيرة إلى إجراء استطلاع للحصول على تفاهم أوسع حول ظاهرة العنصرية الموجهة ضد المسلمين.
من ناحية أخرى، أقر وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، بارتفاع نسبة “الأفعال المعادية للمسلمين” بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وفي سياق متصل، أشار المتحدث باسم الشرطة الفرنسية إلى أن البيانات المتعلقة بالحوادث المعادية للمسلمين “غير كاملة”، حيث تعتمد بشكل أساسي على تقديم الضحايا لتقديم شكاويهم.
توجيه رسالة واضحة: ماكرون يدعو إلى عدم تشويه صورة المسلمين في فرنسا
أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي عن رأيه في انتشار أخبار الاعتداءات على المساجد وانتشار التعليقات المعادية للمسلمين من قبل بعض المثقفين عبر شاشات التلفزيون. قال ماكرون: “حماية الفرنسيين الذين يعتنقون الديانة اليهودية لا ينبغي أن تتزامن مع تشويه للفرنسيين الذين يعتنقون الديانة الإسلامية.” رسالة قوية تدعو إلى عدم تشويه سمعة المسلمين في المجتمع الفرنسي.
الأبعاد التاريخية: تفسير الدوافع وراء معاداة السامية والكراهية تجاه المسلمين
أشار المؤرخ رضا ضياء إبراهيمي، الذي يدرس في جامعة كينجز كوليدج في لندن ويعد مؤلفًا لكتاب “معاداة السامية ورهاب الإسلام: تاريخ متشابك”، إلى أن “التأثيرات السلبية للماضي الاستعماري والديني لأوروبا الغربية قد رسمت صورة سلبية للإسلام كديانة رجعية وغريبة، مما أسهم في ترسيخ التحيز في قطاعات المجتمع والمؤسسات”.
وعلق إبراهيمي على قرار وزارة الداخلية الفرنسية بحظر الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، معتبرًا أن ذلك “حفز على تبني وجهة نظر تقول إن العرب هم المعتدين وأن أنصار الفلسطينيين يتحركون بدافع من معاداة السامية”.
وطالب عضو المجلس الإسلامي الألماني، أيمن مزيك، بتعيين مفوض حكومي اتحادي لمعالجة قضية كراهية الإسلام. وأضاف قائلاً: “الواقع أننا في ألمانيا نمتلك عددًا كبيرًا من المفوضين الذين يتابعون شؤون معاداة السامية والعنصرية الموجهة ضد الغجر، ولكن لا يوجد مفوض معني خاص بالإسلام، وهو بمثابة تمييز في حد ذاته”.
وأقرت المفوضة الألمانية لشؤون العنصرية، ريم العبلي، بضرورة تحسين مستوى الرقابة، خاصة بعد أن أظهر استطلاع أجرته وزارة الداخلية أن واحدًا من كل اثنين من الألمان يحمل آراءً معادية للإسلام.
اقرأ أيضاً: أردوغان يشدد على ضرورة إعادة إعمار غزة وتوحيد الجهود لكسر الحصار