مدونات

سوريا الجديدة أمام اختبار النزاهة… هل تنجح الإدارة الانتقالية في تفكيك إرث الفساد؟

تحذيرات الشرع تقلب المشهد… ومسار مكافحة الفساد يدخل مرحلة حساسة

لم تمضِ أشهر كثيرة على سقوط النظام السابق في سوريا. ومع ذلك. وجدت الإدارة الانتقالية نفسها أمام جبل صلب من الملفات الثقيلة. وكانت أبرزها ملفات الفساد. إذ عانى السوريون لعقود من شبكات متغلغلة نهشت موارد الدولة. وابتلعت مقدرات الناس. وتركت مؤسسات منهارة. ولذلك. تتساءل الشوارع السورية اليوم عن قدرة الحكم الجديد على تفكيك هذا الإرث. وعن إمكانية بناء دولة تحترم القانون. وتعيد الثقة إلى المواطن. رغم الظروف الصعبة. ورغم التعقيدات السياسية. ورغم التحديات الاقتصادية التي تحاصر البلاد من كل جانب.

ومع تزايد الحديث حول الإصلاح. بدأت التحقيقات تكشف تفاصيل خطيرة. فتقاطعت الوثائق والشهادات. وظهرت وقائع تشير إلى حجم الضرر. الذي خلفته السنوات الطويلة من الفساد. وبذلك. باتت مكافحة الفساد ليست مجرد قرار سياسي. بل أصبحت معركة وجود. ومعركة بناء وطن. ومعركة ترميم علاقة الدولة بشعبها.

وفي هذا المشهد المضطرب. جاءت تحذيرات الرئيس أحمد الشرع. لتفتح الباب أمام نقاش واسع. ولتكشف أن الأمر لا يقتصر على الماضي فقط. بل يشمل الحاضر أيضًا. ويطال شخصيات جديدة اقتربت من السلطة. وبدأ حولها الكثير من علامات الاستفهام.


ملامح الانهيار المالي والإداري

قبل عام تقريبًا. سقط نظام بشار الأسد. وتسلّمت إدارة جديدة دولة وصفها الخبراء بأنها منهكة بالكامل. وكانت مؤسساتها هشة. كما كانت خزائنها شبه فارغة. ومواردها منهوبة. وبعد عقود من الاستبداد. وجد السوريون أنفسهم أمام واقع مرير. إذ ظهرت أرقام صادمة. وتأكد الجميع أن الفساد لم يكن مجرد أخطاء فردية. بل كان منهج حكم. وأداة سيطرة. ووسيلة لإدامة سلطة تجاوزت كل الحدود.

وقد كشفت الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش. وهي جهة رسمية. أن الضرر الذي لحق بالمال العام تجاوز نصف مليار دولار. وشمل قطاعات الطاقة. والثروة المعدنية. والخدمات الأساسية. وتشير التقارير إلى أن هذه الأرقام ليست نهائية. لأن الكثير من الملفات لا يزال قيد التحقيق.

ورغم العمل الكبير الذي تقوم به الجهات الرقابية. فإن التحديات هائلة. لأن النظام السابق اعتمد على شبكات معقدة. وربط السياسي بالاقتصادي. والعسكري بالمدني. وبذلك. احتاجت سوريا الجديدة إلى أساليب مراقبة مختلفة. وإلى تكتيكات متابعة دقيقة. تضمن تفكيك الشبكات القديمة. وتمنع ظهور شبكات جديدة.


تحقيقات دقيقة… وملفات متشعبة

تشير المصادر الرسمية إلى أن التحقيقات مستمرة. وتشمل مسؤولين كبارًا. وشخصيات اقتصادية نافذة. ورجال أعمال كانوا مرتبطين بالنظام السابق. وتستند التحقيقات إلى وثائق رسمية. وتقارير تدقيق. وأدلة جمعتها الأجهزة الرقابية خلال الشهور الماضية.

وتقول التقارير إن السلطات الجديدة تحاول استعادة الأموال المنهوبة. التي تتراوح بين مليار وملياري دولار. وفق تقديرات وزارة الخارجية الأميركية. وتشمل هذه الأموال استثمارات. وأصولًا خارجية. وممتلكات نُقلت من سوريا خلال سنوات الحرب.

وبرغم الزخم الكبير حول موضوع المحاسبة. جاءت تصريحات الرئيس أحمد الشرع لتفاجئ الجميع. إذ تحدث عن حالات إثراء غير مشروع داخل الدائرة القريبة من السلطة الجديدة. ورغم حساسية الموضوع. اختار الشرع أن يطرحه بوضوح. في اجتماع غير رسمي في مدينة إدلب. مما أثار اهتمام الشارع السوري بالكامل.


تحذيرات الشرع… ورسالة سياسية واضحة

وفق ما نقلته مصادر رويترز. وجّه الرئيس الشرع كلامًا مباشرًا لقادة ومسؤولين بارزين. وسألهم بصراحة. إذا كانوا قد وقعوا في إغراءات السلطة بهذه السرعة. وكانت العبارة صادمة للكثيرين. لأنها كشفت أن الرئيس يراقب المشهد بدقة. ويرصد أي انحراف قبل أن يتوسع.

وتؤكد مصادر مقربة من الاجتماع أن الشرع تحدث عن ضرورة تغيير ثقافة الاستثمار. واعتماد أسلوب جديد يحترم القانون. ويرفض استغلال المناصب. لأن المرحلة الانتقالية حساسة. وتتطلب نموذجًا جديدًا في الإدارة. يعتمد الشفافية. ويكافح الفساد من جذوره.

ورأت القوى السياسية في هذه التحذيرات إشارة واضحة إلى وجود تجاوزات. واعتبرها البعض خطوة ضرورية لوضع سقف صارم للسلوك الإداري. خاصة بعد الحديث المتزايد عن فرص الاستثمار. ومشاريع إعادة الإعمار. التي قد تفتح الباب لمكاسب هائلة. إذا لم توضع لها ضوابط دقيقة.


القانون السوري وتشديد العقوبات

يعاقب قانون العقوبات السوري على جرائم الرشوة. واختلاس المال العام. واستغلال المنصب. ويصل الحد الأعلى للعقوبة إلى عشر سنوات. ويضاف إليها رد الأموال. وغرامات مالية كبيرة. ويعتبر هذا الإطار القانوني من العناصر المهمة التي تعتمد عليها الدولة في مكافحة الفساد.

لكن الخبراء يؤكدون أن القانون وحده لا يكفي. لأن منظومة الفساد السابقة كانت أعمق من مجرد مخالفة قانونية. بل كانت ثقافة عامة. وبيئة سمحت بتجاوز القوانين. ولذلك. تحتاج سوريا الجديدة إلى إصلاحات شاملة. تشمل الإدارة. والقضاء. والاقتصاد. والهيئات المالية. لضمان رقابة حقيقية. تمنع عودة الفساد.


تحذيرات الاقتصاديين من كرة الثلج

حذر الخبير الاقتصادي عبد الستار دمشقية من أن حالات الإثراء الجديدة قد تتوسع. إذا لم تُواجه بسرعة. وأكد أن البلاد لا تحتمل أي موجة فساد جديدة. لأنها خرجت من ستة عقود من النهب. وتعاني حتى الآن من تداعياته. وقال إن أي تراجع في هذا الملف سيهزّ ثقة المواطن. ويضر بالاستقرار. ويُضعف شرعية الإدارة الانتقالية.

ووفق رأيه. ينبغي التعامل مع أي شبهة فساد كتهديد مباشر. وليس كحادث عابر. لأن المرحلة الانتقالية تحتاج إلى وضوح تام. وثقة متبادلة بين الحكومة والناس. ومن دون ذلك. قد تجد سوريا نفسها أمام انتكاسة كبيرة.


إجراءات إصلاحية تقلب المعادلة

على الجانب الآخر. يرى الدكتور إبراهيم نافع قوشجي أن الإجراءات الأخيرة. خاصة تلك التي طالت شخصيات مقربة من السلطة. تمثل تحولًا نوعيًا في مسار مكافحة الفساد. وقال إن هذا التحول يعكس إرادة سياسية حقيقية. ويؤسس لدولة تحترم القانون. وتعمل وفق مبادئ العدالة. وتضع الجميع أمام مسؤولياتهم.

وأوضح أن نجاح هذه الإجراءات لا يؤثر فقط في الملف الاقتصادي. بل يؤثر في شرعية المرحلة الانتقالية بالكامل. لأن مكافحة الفساد تمنح السوريين الثقة. وترسخ فكرة أن الدولة الجديدة تختلف عن الدولة السابقة. وأنها تسعى إلى بناء سوريا تقوم على المواطنة. وعلى الإنتاج. وعلى الشفافية.


الإرث الثقيل بعد سقوط النظام السابق

بعد سقوط النظام السابق في ديسمبر الماضي. تسلمت الإدارة الانتقالية دولة شبه منهارة. ووصف وزير الاقتصاد نضال الشعار ما رآه في دمشق بأنه مشهد صادم. وقال إن حجم الخراب تجاوز التوقعات. وإن الفساد اخترق كل القطاعات. ودمّر البنية الإدارية بالكامل.

ولذلك. قامت الدولة بخطوات سريعة. وشكلت أكثر من ثمانين لجنة تحقيق. تابعة للجهاز المركزي للرقابة المالية. للتحقيق في ملفات حساسة. تشمل مسؤولين سابقين. ورجال أعمال. وشخصيات نافذة.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن الفساد تسبب بأضرار واسعة. وضرب موارد الدولة الأساسية. مما جعل مهمة إعادة البناء معقدة. وطويلة. وتحتاج إلى رقابة صارمة.


طبيعة الفساد في عهد النظام السابق

يرى الباحث محمد البقاعي أن الفساد في عهد الأسد لم يكن مجرد حالات فردية. بل كان أداة حكم. ووسيلة لضمان الولاء. وقال إن النظام السابق استخدم الفساد لتعويض نقص التمويل. وربط كبار الموظفين بشبكة مصالح مشتركة. جعلت استبداله صعبًا.

وأشار إلى أن هذه الشبكة خلقت ثقافة إدارية سيئة. وانتجت عقلية تتجاهل القانون. وتستسهل هدر الموارد. وتسعى إلى الربح الشخصي على حساب المصلحة العامة.


الفساد كخطر على المرحلة الانتقالية

اختارت الشبكة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) بشار الأسد شخصية عام 2024. بسبب دوره في الجريمة المنظمة. وقالت الشبكة إن الفساد المستشري في عهده لا يزال يهدد المرحلة الانتقالية اليوم.

وحذرت من أن أي فشل في مواجهة الجرائم الاقتصادية قد يضعف جهود العدالة. ويكرس الإفلات من العقاب. ويجعل إعادة بناء الدولة أكثر صعوبة.


الإصلاحات المطلوبة لضمان النزاهة

يشدد خبراء الاقتصاد على ضرورة بناء نظام وطني للنزاهة. يضمن الرقابة. ويعزز الشفافية. ويوسع المشاركة العامة. ويحمي المبلغين عن الفساد. ويضمن استقلال القضاء. ويطبق معايير صارمة على القطاعين العام والخاص.

ويؤكدون أن مكافحة الفساد تحتاج إلى إصلاحات وقائية. وليس فقط إجراءات علاجية. لأن النهج الوقائي يمنع الفساد من جذوره. ويغلق الثغرات. ويمنع تحول حالات فردية إلى شبكات جديدة.


دور المبلغين… وحماية الشهود

تؤكد منظمة الشفافية الدولية أن الإبلاغ عن المخالفات مهم جدًا لكشف الفساد. وقالت إن الخوف يمنع الكثيرين من التبليغ. ولذلك. تحتاج الدولة إلى قوانين تحمي المبلغين. وتمنحهم حصانة. وتضمن عدم ملاحقتهم.


خاتمة تحليلية

تبدو سوريا اليوم أمام اختبار حقيقي. إذ تقف بين إرث ثقيل. ومرحلة انتقالية حساسة. وتطلعات شعب يريد دولة عادلة. وشفافة. وقادرة على حماية المال العام. ويبدو أن التحذيرات الأخيرة. والتحقيقات الجارية. والخطوات الرقابية. كلها مؤشرات على تحول مهم. لكن الطريق لا يزال طويلًا. ويتطلب إرادة سياسية ثابتة. وإصلاحات مؤسسية واسعة. وثقة شعبية متبادلة.

ومع وجود فرصة تاريخية أمام القيادة الجديدة. ينتظر السوريون أن يشهدوا تحولًا حقيقيًا. يقطع جذور الفساد. ويفتح باب الدولة العادلة التي حلموا بها طويلًا.

اقرأ كذلك: هل تبني ألمانيا أقوى جيش في أوروبا؟ تحديات ميرتس وخطر 2029

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات