مدونات

خطط تهجير الفلسطينيين من أرضهم: من “النكبة” إلى “التهجير” وترامب لن يكون الأخير

في يناير الماضي، وبعد أيام قليلة من توليه منصبه رسميًا. كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رؤية مثيرة للجدل لحل أزمة الفلسطينيين في قطاع غزة. ادعى أن خطته تقوم على تهجير سكان غزة بسبب تدمير القطاع وجعله غير قابل للعيش. وطرح أن الحل الأمثل يتمثل في نقلهم إلى دول عربية مجاورة. مثل مصر والأردن، مؤكدًا أن الفلسطينيين سيشعرون بالسعادة إذا مُنحوا هذه الفرصة.

لم يتوقف ترامب عن الحديث عن خطته، متجاهلًا اعتراضات الدول العربية. لوّح باستخدام نفوذه للضغط عليها. كما أكد أن الولايات المتحدة لن تنفق أي أموال لتنفيذ المشروع. وبدلًا من ذلك، اقترح أن تمول الدول العربية الغنية المشروع لأنها تمتلك الكثير من المال، وفقًا لما صرح به.

أكد ترامب أن الفلسطينيين الذين سيغادرون غزة لن يتمكنوا من العودة إليها مجددًا. كما أشار إلى أن أميركا ستستولي على القطاع لتحويله إلى منتجع سياحي فاخر يشبه “ريفيرا جديدة” في الشرق الأوسط. لم يمانع إرسال جنود أميركيين لتنفيذ خطته، لكنه لاحقًا تراجع عن هذا الطرح. مشيرًا إلى أن إسرائيل ستتولى الشق الأمني للمشروع.

رفض عربي واسع

واجهت خطة ترامب رفضًا رسميًا وشعبيًا واسعًا، خاصة من الدول التي ذكرها كمستضيف محتمل للاجئين الفلسطينيين. وعلى رأسها مصر، الأردن، والسعودية. لكن المفاجأة الكبرى أن هذه الخطة لم تكن جديدة أو غير مسبوقة. فقد طُرحت سابقًا بصيغ مختلفة على مدار العقود الماضية، لكنها قوبلت دائمًا بالرفض والمقاومة.

الفرق الوحيد هذه المرة أن ترامب كان أكثر وضوحًا وصراحة في طرحه. يعكس هذا التقرير تاريخ محاولات تهجير الفلسطينيين منذ ما قبل النكبة وحتى الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة. ما يثبته هذا التاريخ هو أن الشعب الفلسطيني ظل متمسكًا بأرضه، رغم الضغوط المتكررة.

مشروع سيناء.. توطين مقابل القضاء على الهوية الفلسطينية

تتشابه رؤية ترامب مع خطة أميركية سابقة، تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، حين تولى جون بلاندفورد. المدير الثاني لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مسؤولية التعامل مع أزمة اللاجئين الفلسطينيين. طرحت الأونروا حينها مشروعًا لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، خاصة الـ200 ألف لاجئ الذين فروا إلى غزة خلال النكبة. معتبرة أن المشكلة ليست سياسية بل اقتصادية.

عرفت الخطة بـ”مشروع سيناء”. وكان الهدف منها توطين 60 ألف لاجئ فلسطيني في شمال سيناء عبر مشروع زراعي ضخم. طلبت الولايات المتحدة من الحكومة المصرية تخصيص أراضٍ لهذا الغرض. إلا أن المشروع قوبل برفض قاطع. بالتوازي مع هذه الخطة، صعّدت إسرائيل من هجماتها على قطاع غزة. مستهدفة مخيمات اللاجئين، بهدف دفع الفلسطينيين لقبول فكرة التوطين خارج ديارهم.

خصصت أميركا 30 مليون دولار للمشروع، تضمنت مد أنابيب مياه من نهر النيل إلى سيناء. وإنشاء نقاط شرطة للسيطرة على اللاجئين. كان الهدف واضحًا: استبدال الهوية الوطنية الفلسطينية بمنفعة اقتصادية مؤقتة. مستغلة حالة الإنهاك التي سببتها النكبة. تمامًا كما حاول ترامب استغلال معاناة الفلسطينيين بعد حرب غزة الأخيرة.

المقاومة الفلسطينية تقضي على مشروع سيناء

واجه الفلسطينيون الخطة برفض قاطع. أدركوا أنها تعني القضاء على حقهم في العودة إلى ديارهم. فانطلقت الاحتجاجات في قطاع غزة. بلغت ذروتها في مارس 1955، فيما عُرف باسم “هبة آذار”. التي اندلعت بعد اجتياح إسرائيلي لمركز عسكري مصري خلف خط الهدنة، مما أسفر عن مقتل 38 جنديًا مصريًا واثنين من الفلسطينيين.

بدأت المظاهرات من مدرسة “فلسطين الرسمية” في غزة، حيث ردد الطلاب هتافات مثل: “كتبوا مشروع سيناء بالحبر وسنمحو مشروع سيناء بالدم”. في غضون أسابيع، أُلغيت الخطة نهائيًا. وأكدت مصر التزامها بعدم تهجير الفلسطينيين أو إقامة مخيمات لهم على أراضيها.

النكبة.. ذروة التهجير القسري

لم يكن مشروع سيناء سوى جزء من سلسلة طويلة من محاولات تهجير الفلسطينيين. جذور هذه السياسات تعود إلى مؤتمر بازل عام 1897، الذي وضع حجر الأساس لإقامة الدولة اليهودية على الأراضي الفلسطينية. جاء وعد بلفور عام 1917 ليؤكد على هذه الفكرة، ثم فرضت بريطانيا الانتداب على فلسطين عام 1922 لتسهيل تنفيذها.

مع حلول عام 1948، تصاعدت الهجمات الصهيونية على القرى والمدن الفلسطينية. وقعت مجازر مروعة، مثل دير ياسين، الطنطورة، واللد، مما دفع أكثر من 750 ألف فلسطيني إلى الفرار من ديارهم. تواصل التهجير عبر مراحل متعددة، بدأت بتهجير سكان القرى، ثم المدن الكبرى مثل حيفا، يافا، والقدس.

الغائبون الحاضرون.. معاناة التهجير الداخلي

لم يقتصر التهجير على من غادر فلسطين إلى دول الجوار. فهناك فئة أخرى تُعرف بـ”الغائبين الحاضرين”، وهم الفلسطينيون الذين أُجبروا على ترك منازلهم لكنهم ظلوا داخل الأراضي المحتلة عام 1948. رغم بقائهم في المنطقة، مُنعوا من العودة إلى منازلهم، وصادرت إسرائيل ممتلكاتهم، واعتبرتهم “غائبين” رغم أنهم كانوا “حاضرين” داخل الدولة الجديدة.

بلغ عدد هؤلاء عام 1950 حوالي 46 ألف فلسطيني. إضافة إلى ذلك، نُقل 110 آلاف بدوي من مناطقهم في النقب، وما زالوا يعيشون في قرى غير معترف بها. اليوم، يُقدر عدد الفلسطينيين النازحين داخليًا بين 250 و420 ألف شخص، يواجهون التمييز الإسرائيلي المستمر.

مشاريع التوطين.. محاولات فاشلة لإلغاء القضية الفلسطينية

بعد النكبة، تحولت قضية اللاجئين إلى تحدٍّ يواجه إسرائيل، ما دفعها إلى البحث عن حلول لإنهائها. ظهرت عدة مشروعات تهدف إلى طمس حق العودة، مثل مشروع جورج ماك عام 1949، الذي اقترح توطين اللاجئين حيث هم مقابل تعويضات مالية، ومشروع سيناء عام 1951، ثم مشروع جون فوستر دالاس عام 1955، الذي اقترح دمج اللاجئين في الدول العربية مقابل “عودة رمزية” لعدد محدود منهم.

لاحقًا، قدم جوزيف جونسون مشروعًا مشابهًا عام 1962، لكن إسرائيل رفضته، مؤكدة رفضها لعودة اللاجئين. ثم جاءت حرب 1967، التي شهدت تهجير 325 ألف فلسطيني إضافي، نصفهم كانوا لاجئين منذ النكبة. ومنذ ذلك الحين، واصلت إسرائيل سياسات التهجير، سواء عبر الحروب أو الاستيطان أو بناء جدار الفصل العنصري.

إرادة الفلسطينيين تتحدى التهجير

على مدار أكثر من قرن، لم تتوقف مشاريع تهجير الفلسطينيين، من الانتداب البريطاني إلى ترامب، لكن جميعها فشلت. السبب الرئيسي في ذلك هو تمسك الفلسطينيين بأرضهم، ورفضهم التخلي عن هويتهم الوطنية. ورغم الضغوط الدولية، والاحتلال المستمر، لا يزال الفلسطينيون يقاومون كل محاولات اقتلاعهم.

إذا كانت هناك حقيقة واحدة أكدت عليها العقود الماضية، فهي أن مخططات التهجير مصيرها الفشل، طالما بقيت إرادة الفلسطينيين أقوى من كل المؤامرات التي تحاك ضدهم.

اقرأ كذلك: خمسة أسباب وراء ثقة ترامب بإمكانية تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات