العالم

الشرع يتولى رئاسة سوريا: التحديات والفرص

تولي أحمد الشرع رئاسة سوريا: تحديات إعادة بناء الدولة، تحقيق الاستقرار السياسي، وإنعاش الاقتصاد في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد

الشرع رئيسًا لسوريا: التحديات والفرص أعلن حسن عبد الغني، الناطق باسم إدارة العمليات العسكرية السورية، عن تولي أحمد الشرع رئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية، مع منحه صلاحيات واسعة تشمل إدارة شؤون الدولة وتمثيلها دوليًا، إضافة إلى تشكيل مجلس تشريعي مؤقت حتى إقرار دستور جديد. يمثل هذا الإعلان نقطة تحول مفصلية في مسار الثورة السورية، حيث يمهد الطريق لإعادة بناء مؤسسات الدولة بعد سقوط نظام بشار الأسد.

لكن انتقال السلطة لا يعني بالضرورة استقرار البلاد، إذ تواجه سوريا تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، تتعلق بإعادة بناء الجيش، استعادة الأمن، وتحقيق التنمية الاقتصادية. في المقابل، هناك فرص يمكن استغلالها لتعزيز سيادة الدولة وكسب دعم إقليمي ودولي. في هذا المقال، نستعرض أبرز التحديات التي تواجه الرئيس الجديد، إلى جانب الفرص التي يمكن أن تسهم في إنجاح المرحلة القادمة.

تنصيب الشرع: الدلالات والأبعاد

تم تنصيب الشرع خلال احتفالية رسمية، بحضور قادة الفصائل العسكرية التي كانت العمود الفقري للثورة السورية على مدى 13 عامًا. هذا الحضور المكثف يعكس شرعية القرار من الناحية الثورية، ويؤكد أن القيادة الجديدة جاءت نتيجة توافق داخلي، وليس بقرار فردي.

قرارات مفصلية

تضمنت مراسم التنصيب مجموعة من القرارات الجوهرية التي تشكل الأساس للمرحلة المقبلة، أبرزها:

  • حلّ جميع الفصائل العسكرية، ودمجها في الجيش الوطني السوري، لضمان عدم وجود كيانات مسلحة خارج سيطرة الدولة.
  • إلغاء دستور 2012، والبدء بصياغة دستور جديد يتناسب مع متطلبات المرحلة.
  • حلّ مجلس الشعب الذي تأسس في عهد النظام السابق، تمهيدًا لتأسيس مؤسسة تشريعية جديدة أكثر تمثيلًا لمختلف أطياف الشعب.
  • تفكيك المؤسسات الأمنية السابقة، وإعادة تشكيل أجهزة أمنية تتبع الدولة، بدلاً من الولاء للنظام الحاكم.
  • تفكيك حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، التي كانت أذرعًا سياسية للنظام السابق.

هذه القرارات تعكس رغبة القيادة الجديدة في القطع مع الماضي، وبناء نظام سياسي جديد قائم على مبدأ الشراكة الوطنية، لكن تنفيذها يتطلب جهودًا كبيرة لمواجهة التحديات الناجمة عنها.

التحديات أمام الشرع

على الرغم من أهمية القرارات المتخذة، إلا أن الشرع يواجه تحديات هائلة، تتطلب استراتيجيات دقيقة وإجراءات مدروسة لضمان نجاح المرحلة الانتقالية.

1. تعزيز السيادة الداخلية والخارجية

أحد أكبر التحديات التي تواجه الشرع هو إعادة بناء سيادة الدولة، حيث إن النظام السابق ترك البلاد في حالة تفكك إداري وأمني. ولتحقيق ذلك، يجب التركيز على عدة محاور:

  • إعادة بناء الجيش: تمثل إعادة تشكيل الجيش على أسس وطنية غير طائفية أولوية قصوى، خاصة بعد حلّ الفصائل العسكرية. نجاح هذه الخطوة سيمنع تكرار سيناريوهات الحروب الفصائلية التي شهدتها دول أخرى مثل أفغانستان بعد سقوط نظام نجيب الله عام 1992.
  • إعادة بناء المؤسسات الأمنية: من الضروري إنشاء أجهزة أمنية تعتمد على القانون، وليس الولاءات الشخصية أو الفئوية. نجاح هذا الملف سيضمن استقرار البلاد ويمنع عودة الفوضى الأمنية.
  • فرض سيطرة الدولة على كامل الأراضي السورية: هذا يتطلب استعادة المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شرق الفرات، وإعادة دمجها ضمن الدولة.
  • التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي للجولان: رغم صعوبة تحرير الجولان في الوقت الحالي، إلا أن بإمكان الشرع الضغط دوليًا لتنفيذ اتفاق “فض الاشتباك” الموقع عام 1974، باعتباره خطوة أولى لاستعادة الأراضي المحتلة.

2. إنعاش الاقتصاد

تسبب الصراع المستمر منذ أكثر من عقد في انهيار الاقتصاد السوري، حيث شهدت البلاد تراجعًا حادًا في الناتج المحلي الإجمالي، وانهيار العملة، وتوقف الاستثمارات.

لإعادة تشغيل عجلة الاقتصاد، تحتاج الحكومة إلى اتخاذ عدة إجراءات، منها:

  • إصلاح البنية التحتية، مثل الكهرباء، الطرق، والاتصالات، لتوفير بيئة استثمارية جاذبة.
  • إعادة تأهيل القطاع الصناعي والزراعي، لضمان تحقيق اكتفاء ذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات.
  • تشجيع الاستثمارات الخارجية، من خلال تقديم حوافز للمستثمرين العرب والدوليين.
  • تعزيز الشراكات الاقتصادية مع الدول الداعمة، مثل تركيا، قطر، والسعودية، للحصول على دعم مالي وتقني.

3. بناء هوية وطنية جامعة

تعد سوريا واحدة من أكثر الدول تنوعًا عرقيًا وطائفيًا، ما يجعل صياغة هوية وطنية جامعة تحديًا حقيقيًا. تسعى بعض القوى إلى فرض أنظمة سياسية تعزز الانقسامات، وهو ما يجب مواجهته بحزم.

  • الحفاظ على الهوية السورية الموحدة، بعيدًا عن أي تقسيمات إدارية تهدد وحدة البلاد.
  • رفض المشاريع الانفصالية، مثل محاولات بعض الأطراف فرض نظام فيدرالي تحت مسمى “الإدارة الذاتية”.
  • تعزيز قيم المواطنة والعدالة، لضمان تماسك المجتمع السوري، وتجنب أي صراعات داخلية.

الفرص المتاحة أمام الشرع

رغم التحديات، هناك فرص يمكن استغلالها لتعزيز الاستقرار ونجاح المرحلة الانتقالية.

1. التوافق الإقليمي والدولي

يتمتع الشرع بدعم واضح من عدة دول إقليمية، أبرزها تركيا، قطر، والسعودية. هذا التوافق يمكن استغلاله لتحقيق مكاسب على المستوى الدولي، عبر:

  • تعزيز الشرعية السياسية للحكومة الجديدة، من خلال الحصول على اعتراف دولي واسع.
  • الاستفادة من الدعم الاقتصادي المقدم من هذه الدول، لتسريع عملية إعادة الإعمار.
  • تحقيق شراكات إستراتيجية، تجعل سوريا لاعبًا مؤثرًا في المنطقة، بدلًا من كونها ساحة للصراعات.

2. الشعبية الواسعة

يحظى الشرع بتأييد واسع في الشارع السوري، خاصة بعد نجاح قواته في دخول دمشق بأقل الخسائر البشرية والمادية. هذه الشعبية يمكن استثمارها لتعزيز التماسك الداخلي، ودعم عملية إعادة البناء السياسي والاقتصادي.

3. إعادة تعريف الدور السوري في المنطقة

تمثل هذه المرحلة فرصة لسوريا لتبني دور جديد على المستوى الإقليمي، عبر:

  • العمل على بناء سياسة خارجية متوازنة، تحقق مصالح البلاد دون الدخول في صراعات غير ضرورية.
  • المساهمة في تعزيز الأمن الإقليمي، من خلال دعم الاستقرار في الدول المجاورة، بدلًا من تصدير الأزمات.

يشكل إعلان أحمد الشرع رئيسًا لسوريا نقطة تحول في تاريخ البلاد، حيث تفتح هذه المرحلة المجال أمام إعادة بناء الدولة على أسس جديدة. لكن النجاح في تحقيق الاستقرار والتنمية يتطلب مواجهة التحديات الأمنية، الاقتصادية، والسياسية بقرارات حازمة وإستراتيجيات مدروسة.

في الوقت ذاته، هناك فرص كبيرة يمكن استغلالها لتعزيز الشرعية السياسية، وجذب الاستثمارات، وتحقيق التنمية المستدامة. نجاح الشرع في تحقيق هذه الأهداف سيحدد مستقبل سوريا لعقود قادمة، ويضعها على طريق الاستقرار بعد سنوات من الحرب والصراع.


اقرأ كذلك :مستقبل حماس بعد الحرب: سيناريوهات الحكم وموازين القوى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات