تعليق وزير خارجية فرنسا على عدم مصافحة الشرع للوزيرة الألمانية
تحليل دقيق لزيارة وزير الخارجية الفرنسي وألمانيا إلى دمشق: الجدل حول عدم مصافحة الشرع والتوجهات الأوروبية تجاه سوريا

تعليق وزير الخارجية الفرنسي على عدم مصافحة الشرع للوزيرة الألمانية في تصريح مثير للجدل يوم الأحد. أقر وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أنه كان يفضل أن يبادر قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، إلى مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك. وقد أثار هذا التصريح اهتمامًا واسعًا في وسائل الإعلام العالمية نظرًا لحساسية الموضوع وتأثيره على العلاقات بين الدول الغربية وسوريا، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة في المنطقة. ومع ذلك، أكد بارو أن مسألة المصافحة لم تكن هي جوهر الزيارة، مشيرًا إلى أن الهدف الرئيسي للزيارة كان بحث مسائل سياسية وأمنية مهمة تتعلق بالوضع في سوريا ومستقبل المنطقة.
خلفية الزيارة واللقاء مع الشرع
في يوم الجمعة الماضي، التقى جان نويل بارو، الذي يمثل الحكومة الفرنسية، إلى جانب وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، مع أحمد الشرع، الذي يشغل منصب قائد الإدارة السورية الجديدة. جاء اللقاء في العاصمة السورية دمشق بتفويض أوروبي، وكان جزءًا من الجهود الدولية لتحديد موقف دول الاتحاد الأوروبي من الأوضاع في سوريا بعد سنوات من الصراع. الزيارة كانت أولى الزيارات الغربية على هذا المستوى منذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهو ما يعكس تحولًا دبلوماسيًا قد يكون له تبعات كبيرة على مستوى العلاقات بين سوريا والغرب.
خلال اللقاء، كان من المتوقع أن يتم مناقشة عدة قضايا هامة، بما في ذلك إعادة إعمار سوريا، دعم الأمن والاستقرار في المنطقة، وتحقيق التقدم في عملية السلام، التي كانت قد توقفت لعدة سنوات بسبب تعقد الأوضاع السياسية والعسكرية. بينما كانت زيارة بارو وبيربوك تعتبر فرصة لإعادة فتح قنوات الحوار مع القيادة السورية الجديدة، فقد كان هناك أيضًا ترقب عالمي حول كيفية تفاعل هذا الحوار مع قضايا حقوق الإنسان، مصير النازحين، وسبل منع التصعيد في المنطقة.
جدل المصافحة: لماذا كانت هذه اللحظة محورية؟
مما أثار الجدل بشكل أكبر، هو ما رآه البعض امتناع الشرع عن مصافحة الوزيرة الألمانية، وهو ما تم تسليط الضوء عليه بشكل كبير في منصات التواصل الاجتماعي. تعتبر المصافحة في المناسبات الدبلوماسية لحظة رمزية قد تحمل رسائل قوية، سواء من حيث الترحيب أو التحفظ. بالنسبة للبعض، فقد تم تفسير عدم المصافحة من قبل الشرع على أنه رفض أو تململ من التصريحات السياسية السابقة من ألمانيا وفرنسا بشأن الوضع السوري. وفي المقابل، رأى آخرون أن غياب المصافحة قد يكون جزءًا من بروتوكول دبلوماسي معين يتبع في سياقات معينة، خصوصًا في ظل العلاقات المعقدة بين الأطراف المتورطة في النزاع السوري.
تصريحات وزير الخارجية الفرنسي حول المصافحة
بعد الجدل الذي أثير بشأن عدم المصافحة، أشار جان نويل بارو في تصريحاته إلى أنه كان يفضل أن يكون هناك تفاعل دبلوماسي أكثر حرارة بين الشرع وبيربوك، إلا أنه أضاف أن تلك المسألة لم تكن محورية في إطار الزيارة. وقال: “هل كنت أفضل أن يصافح أحمد الشرع زميلتي الألمانية؟ الجواب هو نعم. لكن هل كان ذلك محط اهتمام الزيارة؟ الجواب هو كلا”. وأوضح الوزير الفرنسي أنه من المهم التركيز على القضايا الجوهرية التي تم مناقشتها خلال الزيارة، مثل الوضع الأمني في سوريا، وملف المقاتلين الإرهابيين الذين ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية، والتهديدات الأمنية المرتبطة بهذه الجماعات.
ووفقا لما قاله بارو، فإن سوريا تشهد اليوم وجود عشرات الآلاف من المقاتلين الإرهابيين من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المعتقلين في سجون في شمال شرق البلاد. ومن الواضح أن هذا الموضوع كان جزءًا أساسيًا من النقاشات، حيث كان من المهم التأكيد على ضرورة التعاون بين جميع الأطراف لمكافحة الإرهاب وضمان الأمن في المنطقة.
زيارة بارو وبيربوك لدمشق: خلفيات دبلوماسية وسياسية
تعتبر زيارة جان نويل بارو وأنالينا بيربوك إلى دمشق. على الرغم من كونها الأولى على هذا المستوى منذ سقوط نظام بشار الأسد، بمثابة خطوة لفتح قنوات الحوار مع الحكومة السورية الجديدة. ولكنها في ذات الوقت تعكس تعقيد العلاقات بين الغرب وسوريا. فقد مر أكثر من عشر سنوات على اندلاع النزاع في سوريا، الذي أسفر عن دمار هائل وخسائر بشرية واقتصادية فادحة. وبعد سنوات من رفض الغرب التعامل مع النظام السوري. بدأت الدول الأوروبية. خاصة فرنسا وألمانيا. في إعادة تقييم مواقفها تجاه سوريا.
في هذا السياق، أشارت وزيرة الخارجية الألمانية. أنالينا بيربوك، بعد اللقاء. إلى أن أوروبا لن تقدم أموالًا لما وصفته “بالهيكل الإسلامي الجديد” في سوريا. وأوضحت أنه من الضروري إشراك كافة الطوائف في عملية إعادة الإعمار. وهو ما يعكس التوجه الأوروبي القائل بضرورة ضمان تمثيل جميع الأطراف السورية في العملية السياسية المستقبلية. كما أكدت بيربوك على أهمية ضمانات أمنية موثوقة للأكراد في شمال شرق سوريا. الذين يواجهون تهديدات أمنية مستمرة. سواء من القوات التركية أو من المجموعات الإرهابية.
التحولات في السياسة الأوروبية تجاه سوريا
تعد زيارة بارو وبيربوك إلى دمشق جزءًا من تحول أوسع في السياسة الأوروبية تجاه سوريا. خلال السنوات الماضية. كانت العديد من الدول الأوروبية قد أيدت مقاطعة النظام السوري بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان والتورط في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين. ومع ذلك. فإن الأوضاع الميدانية في سوريا قد تغيرت بشكل كبير بعد انهيار الدولة الإسلامية. وسيطرة الحكومة السورية على العديد من الأراضي. ونتيجة لذلك. بدأت بعض الدول الأوروبية في التفكير في كيفية التعامل مع القيادة السورية الجديدة في إطار عملية سياسية تؤدي إلى استقرار المنطقة.
وقد اعترفت العديد من الدول الأوروبية بأن سوريا بحاجة إلى دعم دولي في عملية إعادة الإعمار. التي تضررت بشكل كبير بسبب النزاع المستمر منذ عام 2011. لكن في الوقت نفسه. يبقى الشك قائمًا بشأن ما إذا كان بإمكان الدول الغربية تقديم هذا الدعم دون ضمان تحقيق تطورات سياسية حقيقية في سوريا. مثل التقدم في العملية السياسية. واحترام حقوق الإنسان. وتحقيق التسوية السياسية التي تشارك فيها كافة الأطراف السورية.
خاتمة: نظرة إلى المستقبل
إن الجدل حول عدم المصافحة بين أحمد الشرع وأنالينا بيربوك قد يكون مجرد لحظة رمزية في سياق علاقة معقدة بين دول الغرب وسوريا. إلا أن زيارة بارو وبيربوك إلى دمشق تعكس تحولًا في المواقف السياسية. وتشير إلى أن دول الاتحاد الأوروبي بدأت تدرك الحاجة إلى التفاعل مع سوريا في ظل التحديات الأمنية والإنسانية المستمرة. ولكن. على الرغم من هذه التحولات. تبقى الأسئلة مفتوحة حول ما إذا كانت هذه الزيارة ستؤدي إلى تغييرات جذرية في سياسة أوروبا تجاه سوريا.
فالموضوع لا يقتصر فقط على رمزية المصافحة. بل يمتد إلى قضايا عميقة تتعلق بمستقبل سوريا. وكيفية تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة التي شهدت الكثير من الدمار.
اقرأ كذلك :تعرف على تشكيلة الوزراء في حكومة تصريف الأعمال السورية بعد الإطاحة ببشار الأسد