تشهد الصناعات الدفاعية التركية قفزة تاريخية تعكس حجم التطور التقني والاقتصادي في هذا القطاع الحيوي. وتتسارع هذه القفزة مع تراكم الخبرة، وتزايد الاستثمارات، وتوسع الشركات التركية في الأسواق العالمية. ومن ثم، يزداد تأثير هذا القطاع على الاقتصاد الوطني، كما ترتفع قدرته على المنافسة في أسواق السلاح والتكنولوجيا الدفاعية. ومع أن هذا التوسع لم يأتِ فجأة، إلا أنّ نتائجه المتراكمة صنعت حالة جديدة تختلف في الشكل والمضمون عن السنوات السابقة. ولذلك، يوضح هذا التقرير تفاصيل هذا التحول، ويحلل أبعاده، ويقدّم صورة واضحة عن الارتفاع الكبير في قيمة الصادرات، إضافة إلى التطور التقني الذي منح الصناعة الدفاعية التركية قيمة مضافة غير مسبوقة.

وتكشف البيانات الحديثة عن ارتفاع تصدير المنتجات الدفاعية بالطائرات والمعدات الذكية والأسلحة الدقيقة الصنع. كما تُظهر المعطيات أنّ أنظمة الذكاء الصناعي، والطائرات المسيرة، ومنتجات التكنولوجيا المتقدمة، أصبحت محور القوة في هذا القطاع. وبالتالي، ترتفع قيمة الكيلوغرام الواحد من المنتجات الدفاعية بشكل يعكس مستوى التطور التقني وجودة التصنيع. وتوضح الأرقام الرسمية أنّ هذا الارتفاع ليس مجرد نمو مالي، بل هو نتيجة مباشرة لخطط إستراتيجية طويلة الأمد بدأت تركيا في تنفيذها منذ أكثر من عقد، ثم نضجت نتائجها في السنوات الأخيرة.

وتبرز أهمية هذا النمو مع تزايد الطلب العالمي على الأنظمة الدفاعية التركية، خاصة بعد إثبات فعاليتها في عدة مناطق صراع، إضافة إلى انخفاض تكلفتها مقارنة بالمنافسين. ولذلك، يسعى هذا التقرير إلى تقديم تفاصيل دقيقة حول هذه القفزة، مع شرح أسبابها، وربطها بالمؤشرات الاقتصادية، وتسليط الضوء على الشركات الكبرى التي تقود هذا النمو.

تشير البيانات الرسمية إلى أنّ صادرات قطاع الدفاع والطيران في تركيا ارتفعت إلى أكثر من 7 مليارات دولار عام 2024. وتمثل هذه الزيادة قفزة كبيرة مقارنة بأرقام عام 2020 التي سجلت نحو 2.2 مليار دولار. وبالتالي، فإن القطاع تضاعف أكثر من ثلاث مرات خلال أربع سنوات فقط، وهذا يعكس تغيرًا جذريًا في قدرات الإنتاج، وفي تنوع المنتجات، وفي جودة التقنيات المستخدمة.

وتؤكد وكالة الأناضول أنّ المنتجات الدفاعية التركية اكتسبت قيمة مضافة عالية. كما ارتفع متوسط قيمة الكيلوغرام الواحد من صادرات هذا القطاع إلى 67 دولارًا. ويزيد هذا الرقم بشكل واضح على متوسط الصادرات التركية العامة الذي يبلغ 1.50 دولار فقط. ومن ثم، فإنّ الفارق الضخم يعكس حجم التطور التقني، ويرصد مستوى القيمة التي تضيفها المعدات الدفاعية المتقدمة.

كما يوضح هذا الفارق الكبير بين 1.50 دولار و 67 دولارًا أنّ قطاع الدفاع أصبح واحدًا من أكثر القطاعات التركية قيمة، وأنه يوفر إيرادات ضخمة للاقتصاد. ولذلك، يتزايد اهتمام الحكومة والشركات بتوسيع هذا القطاع وتعزيز الإنتاج. وتؤكد المؤشرات الاقتصادية أنّ الصناعات الدفاعية لم تعد قطاعًا ثانويًا، بل تحولت إلى أحد أعمدة الاقتصاد الوطني.

القيمة المضافة في الكيلوغرام الواحد من المنتجات الدفاعية

يقدّم رئيس هيئة الصناعات الدفاعية في تركيا خلوق غورغون بيانات مهمة حول قيمة صادرات الكيلوغرام الواحد. ويقول إنّ بعض المنتجات الدفاعية المتخصصة تصل قيمتها إلى 20 ألف دولار، وترتفع أحيانًا إلى 50 ألف دولار للكيلوغرام الواحد. وتعكس هذه الأرقام مستوى التطور التكنولوجي في الصناعات التركية، كما تشير إلى المنتجات التي تعتمد على الأنظمة الذكية، والمكونات الدقيقة، والمواد المتقدمة.

ومع ذلك، لا يعدّ هذا التطور مفاجئًا، لأن تركيا ركزت خلال عقد كامل على تطوير أنظمة الطائرات المسيرة، والصواريخ الدقيقة، والأنظمة الكهروبصرية، والتقنيات الكهرومغناطيسية. وبالتالي، ارتفعت قيمة المنتج النهائي، كما زادت القدرة على التسويق الخارجي.

ومن ناحية أخرى، تثبت البيانات أنّ الشركات التركية تواصل تطوير منتجاتها. ولذلك، ترتفع القيمة المضافة عامًا بعد عام، مع تعزيز خطوط الإنتاج، وتطوير البنية البحثية، وتوسيع قدرات المصانع.

شهادات الشركات التركية حول التطور التقني

يقول مدير عام شركة صامصون يورت للدفاع جاهد أوتكو أرال إن متوسط قيمة الكيلوغرام في صادرات عام 2024 بلغ 67 دولارًا. كما يؤكد أنّ شركته نجحت في رفع هذا الرقم إلى 125 دولارًا. ويضيف أنهم يستهدفون الوصول إلى 250 دولارًا خلال السنوات المقبلة. ويُعد هذا التطور مؤشرًا مهمًا على قدرة الشركات التركية على المنافسة في الأسواق الدولية.

ويذكر أرال أنّ الشركة بدأت رحلتها في مجال الصناعات الدفاعية بإنتاج المسدسات فقط. ولكن، ومع ارتفاع المنافسة الدولية، قررت الشركة الانتقال إلى إنتاج الأسلحة متوسطة العيار. كما يشير إلى أنّ هذا الانتقال رفع قيمة منتجات الشركة، وزاد من قدرتها على تقديم حلول تقنية متقدمة. ولذلك، تستمر الشركة اليوم في تطوير منتجات جديدة، إضافة إلى الاستثمار في أنظمة متطورة تعتمد على الذكاء الصناعي.

ويؤكد مدير الشركة أنّ التوجه نحو صناعة الأسلحة الخفيفة والمتوسطة أسهم في نمو القيمة المضافة. كما يعكس هذا التحول رغبة الشركات التركية في إنتاج معدات تحتاجها الأسواق العالمية اليوم. ولذلك، ستواصل الشركة استثمارها في المنتجات التقنية المتقدمة، كما ستسعى إلى رفع جودة الإنتاج تماشيًا مع متطلبات السوق الدولية.

نمو غير مسبوق في الأشهر الأولى من العام الحالي

توضح بيانات رئاسة الصناعات الدفاعية التركية أنّ القطاع حقق نموًا كبيرًا خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي. وبلغت قيمة الصادرات نحو مليارين و980 مليون دولار، بزيادة 29% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ولذلك، يعد هذا النمو واحدًا من أسرع المعدلات التي سجلها القطاع.

وتؤكد هذه الأرقام أنّ الطلب على الصناعات الدفاعية التركية يتزايد بشكل مستمر. كما تشير إلى أنّ المنتجات التركية أصبحت منافسًا مباشرًا للعديد من الشركات العالمية. ولذلك، تستمر تركيا في تعزيز موقعها على المستوى الدولي.

المكانة العالمية لتركيا في تصدير الصناعات الدفاعية

بحسب تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام – سبيري، تحتل تركيا المرتبة الحادية عشرة عالميًا في مجال تصدير الصناعات الدفاعية. وتمثل هذه المرتبة نقلة نوعية مهمة. كما توضح أنّ تركيا أصبحت قريبة للغاية من الدخول إلى قائمة الدول العشر الأولى. ولذلك، يتوقع الخبراء أن تتقدم تركيا في السنوات المقبلة مع استمرار الارتفاع في الإنتاج والتصدير.

الشركات التركية ضمن قائمة أقوى 100 شركة دفاعية عالميًا

دخلت خمس شركات تركية قائمة مجلة “ديفينس نيوز” لأقوى 100 شركة دفاعية في العالم لعام 2025. كما تجاوزت إيرادات هذه الشركات نحو 11 مليار دولار. ويعكس هذا التطور قوة القطاع، كما يوضح مستوى الاستثمار الواسع الذي تتبناه الشركات التركية.

تفاصيل ترتيب الشركات التركية

• أسيلسان: المرتبة 43 عالميًا • إيرادات 3.54 مليارات دولار

• الصناعات الجوية والفضائية التركية – توساش: المرتبة 47 • إيرادات 3.15 مليارات دولار

• روكيتسان: المرتبة 71 • إيرادات 1.54 مليار دولار

• آسفات: المرتبة 78 • إيرادات 1.27 مليار دولار

• مؤسسة الصناعات الميكانيكية والكيميائية: المرتبة 80 • إيرادات 1.20 مليار دولار

وترتفع مبيعات هذه الشركات بنسبة 28% مقارنة بعام 2024، ما يعكس حجم التوسع الذي يعيشه القطاع.

مكانة الصناعات الدفاعية في الاقتصاد التركي

ساهمت الصناعات الدفاعية بنحو 1.9% من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا في عام 2024. كما شكلت صادراتها 2.7% من إجمالي الصادرات التركية التي بلغت 262 مليار دولار. وهذه الأرقام تؤكد أنّ القطاع أصبح عنصرًا ثابتًا في الاقتصاد، إضافة إلى دوره في تعزيز التكنولوجيا والتوظيف.

تقدم تركيا اليوم نموذجًا واضحًا لبلد نجح في تحويل صناعاته الدفاعية من مستوى محدود إلى قطاع عالمي كامل. وتتعاون الشركات والحكومة والمؤسسات البحثية لرفع مستوى الإنتاج، وتوسيع خطوط التصنيع، واستخدام التقنيات الحديثة. ولذلك، تعكس الأرقام أنّ النمو لن يتوقف، وأن السنوات المقبلة قد تحمل مزيدًا من التطور، خاصة مع ازدياد الطلب الدولي على التقنيات التركية.

وتظهر المعطيات أيضًا أنّ تركيا بدأت تتجاوز مرحلة الصناعة التقليدية، ودخلت مرحلة الصناعة التقنية المتقدمة عالية القيمة. ولذلك، يزيد تأثير هذا القطاع في الاقتصاد، ويزداد دوره في تعزيز مكانة تركيا عالميًا.

اقرأ كذلك: الدبابات الثقيلة .. السلاح الفتاك والصامد في مواجهة التكنولوجيا