ما هو التحدي الذي أحدثه الطوفان لإسرائيل؟ تقييمات من جنرالات الجيش
تحليل تأثير هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر على العقيدة العسكرية الإسرائيلية: التحديات، الفشل في تطبيق المبادئ العسكرية، واستراتيجية الحرب الاقتصادية
ما هو التحدي الذي أحدثه الطوفان لإسرائيل؟ تقييمات من جنرالات الجيش. تمكن هجوم “حماس” في السابع من أكتوبر من تغيير العديد من المبادئ الأساسية في العقيدة العسكرية للجيش الإسرائيلي. هذا الهجوم الذي وقع خلال ساعات معدودة زعزع الركائز الثلاثة الرئيسية لهذه العقيدة: الإنذار، الردع، والدفاع. أما المبدأ الرابع الذي يمثل “الحسم”، فقد بقي بعيد المنال حتى الآن رغم الحرب الضارية التي يخوضها الجيش الإسرائيلي على جبهتي غزة ولبنان. ورغم العمليات العسكرية المستمرة، لم تحقق إسرائيل “النصر المطلق” الذي أعلن عنه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في بداية المعارك.
الصدمة الإسرائيلية وأكبر إخفاق استخباراتي وعسكري
حدث هجوم 7 أكتوبر صدمة عميقة في الوعي الإسرائيلي وأدى إلى أكبر إخفاق استخباراتي وعسكري في تاريخ إسرائيل، وهو لا يُقارن حتى بالإخفاق الذي تعرضت له إسرائيل في حرب أكتوبر 1973. خلال ساعات طويلة من ذلك اليوم، تبين أن دولة إسرائيل عاجزة عن الدفاع عن سكان غلاف غزة. انهارت الدفاعات الإسرائيلية والتحصينات على السياج الحدودي مع غزة كما تنهار حجارة الدومينو. كان الجيش الإسرائيلي يبدو وكأنه “نمر من ورق”، وهذا خلق شعوراً بالخطر المبالغ فيه وبأن إسرائيل تتعرض لخطر وجودي يهدد بقاءها في المنطقة.
إسرائيل تحت تهديد وجودي واستجابة انتقامية
استناداً إلى الشعور بالخطر المبالغ فيه، وكذلك المشاعر الانتقامية، قررت إسرائيل خوض حربها على قطاع غزة بهدف معلن وهو القضاء على قدرات “حماس” العسكرية. كان من الأهداف الأخرى إطلاق سراح المخطوفين واستعادة قدرة الردع الإسرائيلية التي تضررت بشدة بعد الهجوم. كما كانت هناك ضرورة لاستعادة مكانة إسرائيل بين دول المنطقة وأمام العالم.
حرب “السيوف الحديدية” وتحليل الانتقادات الإسرائيلية
الحرب على غزة، التي أطلق عليها الإسرائيليون في البداية اسم حرب “السيوف الحديدية” ثم تم تغيير الاسم بناءً على طلب نتنياهو إلى حرب “نهضة إسرائيل”، شهدت منذ الأشهر الأولى العديد من التحليلات والمراجعات من جنرالات إسرائيليين سابقين وخبراء وباحثين. هؤلاء حاولوا دراسة تداعيات هجوم 7 أكتوبر على العقيدة العسكرية الإسرائيلية وانتقدوا سير العمليات العسكرية والأهداف التي وُضعت لها. وكان من أبرز الانتقادات عدم تحديد أهداف استراتيجية واضحة للحرب، إلى جانب تجنب القيادة السياسية في إسرائيل تحديد رؤيتها “لليوم التالي” أو مسار للخروج من الحرب.
الفشل في تطبيق العقيدة العسكرية الإسرائيلية
في رأي عيدو عيخت، الخبير في الشؤون العسكرية، فإن هجوم 7 أكتوبر لم يكن نتيجة انهيار العقيدة العسكرية الإسرائيلية بقدر ما كان نتيجة لسوء تطبيق هذه العقيدة. بحسب عيخت، فإن الجيش الإسرائيلي فشل في تطبيق مبادئ العقيدة الأمنية نتيجة لتقليص قدراته القديمة. فبينما كان الجيش الإسرائيلي يعتقد أن بعض التهديدات قد انتهت، تبين أن الحاجة إلى هذه القدرات كانت لا تزال قائمة. لذلك، رأى عيخت أن العقيدة التي وضعت في خمسينات القرن الماضي لا تزال صالحة في مواجهة التهديدات الراهنة، ولكنها بحاجة إلى تعديلات في طريقة تطبيقها.
الفجوة بين التهديدات والأسلوب العسكري
خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ظهرت فجوة بين نوعية التهديدات وطبيعة الحروب المتوقعة. هذه الفجوة أدت إلى تغيير في أسلوب تطبيق المبادئ العسكرية، مما أثر على كفاءة الجيش الإسرائيلي في مواجهة التهديدات الحديثة. ورغم أن الجيش حاول التأقلم مع هذه التغيرات، إلا أن بعض التعديلات لم تحقق النجاح المطلوب. وفي النهاية، أدت هذه التغييرات إلى النتيجة الاستراتيجية السيئة التي نراها اليوم.
إعادة النظر في مبدأ الردع
في دراسته الطويلة، حاول الباحث هكيت تأكيد أن مبدأ الردع لا يزال ضرورياً وأنه لا يمكن التخلي عنه. ومع ذلك، أكد أن الردع يجب أن يأتي مع يقظة عالية وتقليل الغطرسة، مع ضرورة عدم التقليل من قدرات الخصم. وتطرق إلى إخفاق مبدأ الدفاع في 7 أكتوبر، مشيراً إلى أن من الضروري بناء منظومة دفاعية محلية تتناسب مع التحديات الحالية.
الانتقادات لتطبيق العقيدة الأمنية القديمة
أدى هجوم 7 أكتوبر إلى انتقادات داخل إسرائيل بشأن العقيدة الأمنية القديمة. أحد النقاط المثارة كانت الحاجة إلى رؤية أمنية جديدة تتجاوز العقيدة العسكرية التقليدية. يتفق بعض المحللين مثل غور لينش، الباحث في مركز بيغن-سادات للدراسات الإستراتيجية، على أن كارثة السابع من أكتوبر كشفت عن فشل العقيدة الأمنية القديمة في التعامل مع الحروب الطويلة والمعقدة.
حروب طويلة أم قصيرة: جدل حول استراتيجيات إسرائيل
أثار هذا النقاش جدلاً حول ما إذا كان يجب على إسرائيل الاستمرار في تطبيق عقيدتها الأمنية القديمة الخاصة بالحروب القصيرة أم التحول إلى استراتيجيات جديدة تتماشى مع الحروب الطويلة. وفقًا لهذه الرؤية، كان على إسرائيل أن تواجه حروباً قصيرة وحاسمة ضد أعدائها، ولكن مع ظهور الحروب المستمرة التي تشمل التهديدات غير المتناظرة، أصبح من الضروري إعادة التفكير في استراتيجياتها الدفاعية.
التحديات الإسرائيلية الحالية واستراتيجية الحروب القصيرة
اللواء عاموس يادلين، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي سابقاً، انتقد الاستراتيجية الحالية التي تبنتها إسرائيل في حربها على غزة، والتي تحولت إلى حرب استنزاف تتعارض مع طبيعة الجيش الإسرائيلي وقدرته على توجيه ضربات ساحقة. وأكد أنه يجب العودة إلى مفهوم الحروب القصيرة داخل أراضي العدو، حيث يتم القضاء على التهديدات بشكل تدريجي عبر ضربات سريعة وقوية.
أهمية السيطرة على الأراضي واستراتيجية الحرب الاقتصادية
من جهة أخرى، اقترح اللواء غيوا آيلند، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، خطة لمعالجة الحرب على غزة. رأى أن الحرب يجب ألا تقتصر على الصراع العسكري، بل يجب أن تشمل عنصرًا آخر لا يقل أهمية: الحرب الاقتصادية. اقترح أن تعتمد إسرائيل التفوق الاقتصادي في الحرب مع حماس، من خلال إغلاق المنافذ الاقتصادية وإضعاف قدرات العدو عبر الحصار الاقتصادي.
الطابع الخاص للصراع مع “حماس” ومعسكر المقاومة
خلال التسعة أشهر التي تلت الهجوم على غزة. تحدث العديد من الخبراء العسكريين عن خصوصية هذا الصراع. وفقًا لميليشتاين، المستشرق في الاستخبارات العسكرية. كانت الحرب على غزة مختلفة تمامًا عن الحروب السابقة. فقد خاضت إسرائيل صراعًا مع معسكر إقليمي يدعو للمقاومة. حيث تكون الحروب قصيرة ولا تحقق حسمًا نهائيًا. وتسبب ضغطًا دوليًا وأخلاقيًا. كما يرى أن إسرائيل تواجه معضلة حقيقية تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة بشأن كيفية التعامل مع غزة والمنطقة.
دروس الحرب وأهمية التغيير الاستراتيجي
في النهاية، أكد معظم المحللين الإسرائيليين على ضرورة التخلي عن النظرية العسكرية التي اعتمدت عليها إسرائيل في العقود الأخيرة. وكانت هذه النظرية تقوم على السلام الاقتصادي والمعركة بين الحروب. بدلاً من ذلك. يتعين على إسرائيل تبني استراتيجيات هجومية استباقية. تهدف إلى القضاء على التهديدات قبل أن تتصاعد إلى حرب مفتوحة.
الطابع الجديد للحرب على غزة يعكس تغييرات كبيرة في فهم إسرائيل لتهديداتها المستقبلية. وبينما تُظهر التحليلات العسكرية ضرورة التغيير في العقيدة الأمنية الإسرائيلية. يبقى التساؤل حول مدى قدرة إسرائيل على إعادة بناء قوتها العسكرية والاقتصادية لمواجهة التحديات المتزايدة في المنطقة.
اقرأ كذلك :تراجع النفوذ الإيراني في سوريا: الأسباب والتداعيات