إقتحام مئات المستوطنين للأقصى وتهميش المقدسيين خلال رأس السنة العبرية
تصاعد الاقتحامات والانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى خلال موسم الأعياد اليهودية: تهويد متدرج وتوترات متزايدة تنذر بمواجهة شاملة في القدس وفلسطين
اقتحام المستوطنين للأقصى وتهميش المقدسيين خلال رأس السنة العبرية القدس المحتلة – أغلق الاحتلال الإسرائيلي باب المغاربة، يوم الخميس، بعد اقتحام 460 مستوطناً متطرفاً لساحات المسجد الأقصى المبارك. جاء هذا الاقتحام في إطار الاحتفالات برأس السنة العبرية، وهو اليوم الذي يفتتح موسم الأعياد اليهودية الأطول في التقويم العبري. يُعد هذا الموسم أحد أصعب الفترات التي تمر على المسجد الأقصى، إذ يشهد توتراً كبيراً وتصعيداً في الاعتداءات والانتهاكات بحق المقدسات الإسلامية.
رأس السنة العبرية يُحتفل به على مدار يومين في اليومين الأول والثاني من شهر “تشري” في التقويم العبري. هذا العام، ومع بداية هذا اليوم، دخلت السنة العبرية 5785، ليبدأ اليهود احتفالاتهم الدينية التقليدية التي تستمر لعدة أسابيع.
تهويد الأقصى: مكاسب خطيرة لجماعات الهيكل
تمكنت جماعات الهيكل المتطرفة من تحقيق مكاسب هامة في ما يتعلق بالتهويد المتدرج للمسجد الأقصى. أحد أهم هذه المكاسب هو نجاحهم في تمرير اقتحامات هادئة ومنظمة لساحات المسجد، وذلك بسبب غياب كبير للمصلين. فقد قامت شرطة الاحتلال الإسرائيلية المتواجدة على أبواب المسجد بمنع أعداد كبيرة من المصلين المسلمين من الدخول، ما أتاح للمستوطنين التحرك بحرية داخل الساحات.
هذه الإجراءات ليست جديدة على المقدسيين، إذ تُمارس قوات الاحتلال منذ سنوات سياسة الإبعاد عن الأقصى، حيث تُصدر أوامر بالإبعاد عن المسجد لفترات زمنية متفاوتة بناءً على تعليمات من جهاز المخابرات الإسرائيلي. هذه الأوامر تساهم في تقليل عدد المصلين المتواجدين في المسجد خلال فترة الاقتحامات، ما يسهل على المستوطنين تنفيذ طقوسهم داخل الأقصى.
دلالات خطيرة للنفخ في البوق
منذ سنوات، تعمل الجماعات اليهودية المتطرفة على فرض طقوسها الدينية داخل المسجد الأقصى، ومن أبرز هذه الطقوس “النفخ في البوق” أو “شوفار” بالعبرية. على الرغم من أن هذا ليس العام الأول الذي يتمكن فيه المتطرفون من أداء هذا الطقس داخل الساحات، إلا أن هذا العام يُعتبر مختلفاً.
ففي ظل الظروف الحالية، شهد المسجد الأقصى أكبر تضييق أمني منذ احتلاله عام 1967. الباحث في شؤون القدس، زياد ابحيص، أوضح أن “النفخ في البوق” يحمل دلالات خطيرة. يعتبر هذا الطقس رمزاً للتفوق والسيادة، وهو ما يفسر سبب قيام حاخام جيش الاحتلال، شلومو غوريون، بالنفخ في البوق عند احتلال جبال سيناء عام 1956، وكذلك عند تلة المغاربة في القدس الشرقية خلال احتلالها عام 1967. ويؤكد الباحث أن المستوطنين يستخدمون هذا الطقس أيضاً خلال احتفالات “عيد الاستقلال” (النكبة)، كرمز لتأكيد سيطرتهم على المناطق المحتلة.
ولكن الأخطر من ذلك هو أن “النفخ في البوق” يشير إلى بداية زمن جديد بالنسبة لجماعات الهيكل المتطرفة. فهم يرون في هذا الطقس علامة على نهاية الهوية الإسلامية للمسجد الأقصى وبداية تهويده. ويعتبرون أن هذا الزمن الجديد يُفصل بين فترتين، الأولى هي فترة الهوية الإسلامية للأقصى، والثانية هي فترة تهويده، التي يظنون أنها بدأت بالفعل.
طقوس يهودية وتدنيس لساحات المسجد الأقصى
إلى جانب النفخ في البوق، شهدت ساحات المسجد الأقصى أداء طقوس دينية أخرى من قبل مجموعات المستوطنين المتطرفين. بعضهم قام بالرقص والغناء والتصفيق في الساحات الشرقية للمسجد. كما أقدموا على أداء طقوس السجود الملحمي (الانبطاح أرضاً) بشكل جماعي، وذلك تحت حماية شرطة الاحتلال.
ما يزيد من خطورة هذه الطقوس هو أن بعض المستوطنين ارتدوا أثناء الاقتحام ثياب الكهنة التوراتية البيضاء، في مشهد يهدف إلى إحياء طبقة الكهنة. هذه الفئة من اليهود ترى في نفسها القيادة الدينية التي يجب أن تقود صلوات اليهود داخل المسجد الأقصى، باعتباره وفقاً لروايتهم “مقدساً يهودياً”. هذا التحرك يعتبر تمهيداً لمحاولة فرض طقوس دينية يهودية دائمة داخل المسجد الأقصى، وهو ما يهدد بشكل مباشر الهوية الإسلامية لهذا المكان المقدس.
توتر واحتقان في القدس
مع تصاعد الانتهاكات في المسجد الأقصى، تزداد حالة التوتر والاحتقان في مدينة القدس وفي المناطق الفلسطينية كافة. ناصر الهدمي، رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد، أوضح في تصريحاته أن سلطات الاحتلال تستغل كل مناسبة دينية لتدنيس المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين.
وأشار الهدمي إلى أن هذا العام يشهد تزايداً غير مسبوق في الجرأة على الاقتحامات. فقد تطورت أساليب المتطرفين بشكل لافت، في الوقت الذي يتم فيه منع المسلمين من الوصول إلى المسجد لأداء الصلاة. وأضاف: “نرى أموراً لم نتوقع رؤيتها من قبل، حيث أصبحت الاقتحامات أكثر تنظيماً والاعتداءات أكثر وضوحاً”.
وأوضح الهدمي أن هذا التصعيد المتواصل يساهم في زيادة حالة الاحتقان بين الفلسطينيين في القدس ومحيطها. ويعتبر أن هذه الممارسات تأتي في إطار سياسة تهويد المسجد الأقصى، التي تتبناها سلطات الاحتلال منذ عقود. المسجد الأقصى يمثل بؤرة الصراع ورمز السيادة في القدس وفلسطين، ومن هنا تأتي أهمية السيطرة عليه بالنسبة لسلطات الاحتلال.
مواجهة قادمة؟
الهدمي حذر من أن الاحتلال يدفع بالمنطقة نحو مواجهة شاملة. إذ لا تقتصر الانتهاكات على المسجد الأقصى فقط، بل تمتد إلى كل نواحي الحياة في القدس. الفلسطينيون يشعرون بأنهم محاصرون، ولا يملكون سوى أجسادهم للدفاع عن مقدساتهم وحقوقهم. وفي ظل تصاعد الضغوط، يزداد احتمال وقوع صدامات واسعة في الأيام المقبلة.
وأشار الهدمي إلى أن الفلسطينيين لا يملكون الكثير من الأدوات لمواجهة هذه الهجمة الشرسة على مقدساتهم. إذ لا تزال السياسات الإسرائيلية تشدد الخناق على الفلسطينيين، وتمنعهم من ممارسة حقوقهم الدينية بحرية في المسجد الأقصى. ورغم هذه الظروف، فإن الفلسطينيين يصرون على الدفاع عن حقهم الأصيل في العبادة والحضور في مسجدهم وعلى أرضهم “أرض فلسطين”.
انتهاكات متوقعة في الأعياد القادمة
مع انتهاء رأس السنة العبرية، يترقب المسجد الأقصى انتهاكات جديدة خلال الأعياد اليهودية القادمة. في الأسابيع المقبلة، يحتفل اليهود بعدة مناسبات دينية هامة، منها يوم الغفران، عيد العُرش، و”ختمة التوراة”. هذه المناسبات تشهد في كل عام اقتحامات جديدة لساحات المسجد الأقصى، ما يزيد من حدة التوتر في المنطقة.
خلال عيد العُرش، يسعى المتطرفون إلى إدخال قرابين العُرش النباتية وتقديمها داخل ساحات المسجد. هذه الطقوس تعتبر انتهاكاً صارخاً لقدسية المكان، وقد تم تسجيلها ثلاث مرات في عيد العُرش العام الماضي. هذا العام، يتوقع أن تشهد هذه الطقوس مزيداً من التصعيد، حيث يتطلع المتطرفون إلى تحقيق مكاسب جديدة على الأرض.
الأقصى في خطر
المسجد الأقصى يواجه تهديدات متزايدة من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة وسلطات الاحتلال الإسرائيلي. هذه التهديدات لا تقتصر على فترة زمنية محددة، بل أصبحت جزءاً من استراتيجية تهويد مستمرة تهدف إلى تغيير هوية المسجد وتحويله إلى “مقدس يهودي”. في ظل هذه الظروف، يبقى المسجد الأقصى رمزاً للصمود والمقاومة، ويواصل الفلسطينيون الدفاع عنه رغم كل الضغوط.
مع استمرار الاعتداءات والانتهاكات، يبقى السؤال مطروحاً: إلى متى يمكن للفلسطينيين الاستمرار في مواجهة هذه الهجمة الشرسة على مقدساتهم؟ وهل سيتحرك المجتمع الدولي لوقف هذا التصعيد قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة؟
اقرأ كذلك :إعلام إسرائيلي يكشف تفاصيل تخطيط وتنفيذ عملية اغتيال نصر الله