مدونات

هل تفكر إيطاليا في فتح أبوابها للمهاجرين بسبب أزمتها الديموغرافية؟

تناقضات سياسة الهجرة في إيطاليا: بين خطاب ميلوني وواقع الانحدار الديمغرافي واحتياجات العمالة

يبدو أن الشتاء الديموغرافي في إيطاليا قد أصبح فصلًا مظلمًا وباردًا للغاية. فقد شهد عام 2022 انخفاضًا حادًا في عدد المواليد. حيث انخفض إلى مستويات دون 400 ألف مولود للمرة الأولى منذ توحيد البلاد في عام 1861. وفي المقابل، سجل عدد الوفيات حوالي 700 ألف حالة في نفس العام.

أطلق مركز الإحصاء الإيطالي إنذارًا في تقريره الأخير، حيث أشار إلى استمرار تراجع عدد السكان الإجمالي على مر السنوات. وما يزيد عن ذلك. فإن عدد الأشخاص الذين تجاوزوا سن الستين وخمس سنوات أصبح أكبر من عدد الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا. ومن المتوقع أن تكون لهذا التطور السلبي تأثيرات سلبية على الاقتصاد الإيطالي.

وبناءً على ذلك، يعتقد ماتيو فيلا، باحث في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية. أن إيطاليا تفقد عشرات الآلاف من السكان سنويًا، وهناك ارتفاع مستمر في متوسط الأعمار. وبالتالي، هناك زيادة في عدد الأشخاص الذين يتقاعدون ويحتاجون إلى المزيد من الرعاية الصحية. وهذا سيضع الدولة تحت ضغط مالي متزايد لدعم كبار السن. مما سيؤدي إلى تخصيص موارد أقل للاستثمار في تحسين الإنتاجية وزيادة العمالة وتحقيق التنمية.

من جهة أخرى، يشير البروفيسور أليساندرو روسينا، أستاذ علوم الديمغرافيا في جامعة ميلانو الكاثوليكية. إلى أن الإنفاق العام على المعاشات التقاعدية والرعاية والمساعدات للأشخاص فوق سن الستين يزداد بسرعة. بينما يتناقص المكون السكاني الذي يمثل مصدر الثروة والتنمية والابتكار. وهذا يجعل نظام الرعاية الاجتماعية أقل استدامة.

ويعتبر الخطر الكبير في إيطاليا هو أن تباطؤ النمو الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى زيادة عبء الدين العام. وزيادة التفاوت الاجتماعي بين الفئات المختلفة.

تحديات الخصوبة والديموغرافيا في إيطاليا

تسلط تقارير مركز الإحصاء الإيطالي الضوء على انخفاض ملحوظ في معدل الخصوبة بين النساء الإيطاليات في عام 2022. حيث انخفضت إلى مستوى قياسي يبلغ 1.24 طفل لكل امرأة. وفي الوقت نفسه. ارتفع سن النساء الإيطاليات اللاتي ينجبن طفلهن الأول إلى أعلى مستوى في أوروبا، حيث بلغ 31.6 عامًا.

وتشير التقارير أيضًا إلى أن هذا الانخفاض في معدل الخصوبة يشمل النساء من أصول أجنبية. حيث انخفض عدد المواليد لأبوين على الأقل من أصول أجنبية إلى حوالي 82,216 مولودًا في عام 2022. مما يمثل نسبة 20.9% من إجمالي الولادات في البلاد.

عالم الديموغرافيا روسينا يلاحظ أن معدل الخصوبة بين النساء المهاجرات في إيطاليا لا يزال أعلى بكثير من معدل الخصوبة بين النساء الإيطاليات. على الرغم من انخفاضه بشكل عام. ويشير إلى أن العديد من الأسر المهاجرة، بما في ذلك العرب والمسلمين. يفضلون تقليل عدد الأطفال لتوجيه مزيد من الاستثمارات نحو تعليمهم وتحقيق نجاحهم الاجتماعي.

من ناحيته، يرى رئيس اتحاد الجاليات الإسلامية في إيطاليا. ياسين لفرم، أن انخفاض أعداد المواليد بين العرب والمسلمين في إيطاليا يمكن أن يعزى إلى تكيف النساء مع نمط الحياة في إيطاليا. مما يشير إلى مزيد من التكامل في المجتمع الإيطالي بالمقارنة مع السنوات السابقة.

ويشير لفرم إلى أن مشكلة توفير المساكن للشباب المسلمين تبقى كبيرة. مما يجعل تشكيل عائلات جديدة صعبًا نظرًا لارتفاع أسعار العقارات وغلاء المعيشة في البلاد. كما يلاحظ أن متوسط أعمار النساء المسلمات في إيطاليا ارتفع، مما يجعلهن غير قادرات على إنجاب مزيد من الأطفال.

الجهود الحكومية لمواجهة تحديات الديموغرافيا في إيطاليا

منذ توليها منصب رئيسة الوزراء في نهاية عام 2022. كانت جورجا ميلوني حريصة على التصدي لتحديات الديموغرافيا في إيطاليا. وأعطت هذه المسألة أهمية قصوى وجعلت قضية الأسرة أحد أولويات حكومتها اليمينية.

قامت ميلوني بدعوة تكرارية لتعزيز فرص العمل لصالح النساء، مؤكدة أن ذلك سيؤدي بالضرورة إلى زيادة معدل الولادات. وأكدت على أن توفير الأمان المالي للنساء العاملات في إيطاليا يعتبر السبيل الوحيد لتجديد الأجيال القادمة.

وتمت الموافقة على حزمة من الإجراءات من قبل الحكومة الإيطالية في الأشهر الأخيرة بهدف تحقيق توازن ديمغرافي جديد. تشمل هذه الإجراءات تخصيص مبلغ قدره ملياران و500 ألف يورو لزيادة الحضانات المؤهلة لرعاية الأطفال وتخفيض رسومها. وإعفاء الشركات من الضرائب المستحقة على الأمهات العاملات اللواتي ينجبن طفلين على الأقل (حتى سن 10 سنوات).

ومع ذلك، يشير ماتيو فيلا إلى أن تأثير تخصيص هذا المبلغ الصغير يصعب تحديده. خاصةً عندما يتم صرفه على مدى عامين في ظل ميزانية دولة تبلغ قيمتها 870 مليار يورو. يشير إلى أن نسبة هذه المخصصات لا تتجاوز 0.1% من إجمالي التزامات الإنفاق السنوية، وهذا ليس كافيًا.

من جانبه، يرى البروفسور روسينا أن الرسالة التي تم توجيهها من قبل ميلوني حول أهمية مواجهة أزمة الديموغرافيا هي رسالة إيجابية. ولكنه يشير إلى أنه يجب بسرعة تخصيص استثمارات إضافية لدعم استقلال الشباب عن أسرهم وتوفير فرص السكن والعمل لتشجيع تكوين أسر جديدة.

تناقضات السياسة الهجرة في إيطاليا

في السنوات الأخيرة، تجدر الإشارة إلى أن جورجا ميلوني، رئيسة الوزراء وزعيمة حزب أخوة إيطاليا اليميني. قد أشهرت استمرارها في استخدام الهجرة كوسيلة لجذب الانتباه في حملاتها الانتخابية. كانت تعلن بصوت عالي عن نيتها في وقف تدفق المهاجرين إلى إيطاليا. حتى لو تطلب الأمر فرض حصار بحري على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط.

ومع زيادة مشكلة الانحدار الديمغرافي التي أصبحت متفاقمة، وتحذيرات القطاع الصناعي والشركات في شمال إيطاليا. الذين أشاروا إلى أن نقص الأيدي العاملة سيؤدي إلى إغلاق العديد من المصانع. اضطرت رئيسة الوزراء ميلوني إلى التصريح في الأشهر الأخيرة بأن الحكومة ستسمح بدخول 450 ألف مهاجر جديد بوسائل قانونية.

علق ماتيو فيلا على هذا التحول السريع بقوله: “لقد أصبحت هذه الوعود جزءًا من السياسة الرسمية بعد موافقة الحكومة على مرسوم تدفقات المهاجرين الجديد. الذي يسمح بدخول 136 ألف مهاجر من خارج الاتحاد الأوروبي في عام 2024. مقارنة بـ 31 ألف مهاجر سنويًا خلال الفترة من 2015 إلى 2023”.

لا شك أن مثل هذه القرارات تضع حكومة ميلوني اليمينية أمام تناقض كبير. من ناحية، سيشعر الناخبون الذين اختاروها والذين يعتمدون على نظرية “الاستبدال العرقي” بأنهم تم خيانتهم. من ناحية أخرى، تضطر هذه الحكومة إلى التعامل مع الواقع. مما يعني عمليًا فتح الأبواب بشكل واسع أمام العمال الأجانب من خارج الاتحاد الأوروبي.

اقرأ كذلك: من الأمن إلى الاقتصاد .. لماذا توسع تركيا وجودها في افريقيا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات