تركيا

الوجود التركي في غزة: هاجس إسرائيل وصراع الإرادات الإقليمية

بين دعم أنقرة وبنود “خطة ترامب”: لعبة النفوذ في قطاع غزة

الوجود التركي في غزة: هاجس إسرائيل وصراع الإرادات الإقليمية … في زحمة الأحداث التي تجتاح قطاع غزة وهذه المنطقة المشتعلة، يطل سؤال محوري: هل ستشارك تركيا في القوة الدولية المزمع إنشاؤها لمراقبة وقف إطلاق النار والعمل على تحقيق الاستقرار؟ بين رفض إسرائيلي صريح وموقف تركي يؤكد الحضور وأهمية المشاركة، ورغم ذلك تضفي الضبابية طابعًا واضحًا على مواقف الدول المعنيّة بإنشاء تلك القوة. فبينما يرى البيت الأبيض أن تركيا “ساهمت بشكل كبير في تحقيق وقف إطلاق النار في غزة عبر علاقاتها مع حماس، وأنها يمكن أن تلعب دورًا فعالًا في إعادة إعمار المنطقة وضمان أمنها”، فإن إسرائيل تطرح اعتراضًا علنيًا ومباشرًا على مشاركة أنقرة. وفي هذا المقال ندخل إلى صلب هذا الصراع، نستعرض الملفات، ونحلل الأسباب، ونرسم مشهدًا لتداعيات الوجود التركي المحتمل في غزة، مستندين إلى المواقف الدولية والإقليمية، مع الأخذ في الحسبان أن كلمة السيو “وجود تركيا في غزة” مستهدفة كي تتصدّر نتائج البحث.


أولاً: الصورة العامة لمشروع القرار الأميركي

أرسلت الولايات المتحدة مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي تحت عنوان “الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في غزة” المرتكزة على ما يُعرَف بـ “خطة ترامب للسلام والاستقرار” المؤلفة من عشرين بندًا. في هذا المشروع تُقدَّم آليات متعددة، أهمها إنشاء آلية دولية مدنية للحكم الانتقالي، إنشاء قوة دولية للاستقرار، إنشاء قوة شرطة فلسطينية تُخضع للتدقيق، وصندوق دولي لإعادة تأهيل غزة، فضلاً عن إدارة الشؤون اليومية عبر لجنة فلسطينية مهنية غير سياسية تحت مراقبة مجلس الأمن. وتهدف البنود إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية لأمريكا وإسرائيل، أبرزها الحيلولة دون عودة الأعمال القتالية، وتدويل قطاع غزة، وإنهاء دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا” داخل القطاع.
وبينما تبدو هذه البنود مترابطة، تلوح في أفقها “تدويل” محتمل لقطاع غزة، وفصل فعلي بين الضفة الغربية وغزة، وتغييرات جوهرية في إدارة القطاع.


ثانياً: حرص تركيا على المشاركة ودورها المحتمل

من جانبها، اعتبرت تركيا أن مشاركتها في القوة الدولية المزمع تشكيلها تُعد “دورًا بنّاءً” قدّمته واشنطن، إذ أكد نائب الرئيس الأميركي أنقرة سيكون لها دور مهم. لكن الوثائق المتاحة تشير إلى أن تركيا لا تكتفي فقط بالدور العسكري المحتمل، بل تسعى إلى مساهمة في إعادة البناء، وفي تأهيل البنية التحتية، وفي الحضور المؤسسي داخل غزة. وتحاول أنقرة عبر هذا المسار أن تؤكد موقعها الإقليمي وتبرز نفسها شريكًا لا غنى عنه في ملف فلسطيني حساس. وبينما ترحب حركة حماس بمشاركة تركيا في القوة الأمنية أو إعادة الإعمار، إلا أن بعض القوى العربية الإقليمية تواصل إبداء التحفظ بشكل واضح على وجود تركي عسكري في القطاع، لأسباب متعددة نعرضها لاحقًا.


ثالثاً: الرفض الإسرائيلي والمخاوف المرتبطة

على الجانب الآخر، جاءت مواقف إسرائيل حاسمة وعَلنية بعدم قبول وجود قوات تركية ضمن القوة الدولية في غزة. فقد صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي بأنّ “لن يكون أي وجود تركي على الأرض” مشيرًا إلى أن تركيا تحت قيادة رجب طيب أردوغان سلكت نهجًا عدائيًا تجاه إسرائيل، ما يجعل السماح لقواتها بالدخول غير معقول من وجهة نظر تل أبيب. وتكرر هذا الموقف في وسائل إعلام إسرائيلية، التي حذّرت من أن مشاركة تركيا ستمنحها “قاعدة في غزة” لا يمكن إخراجها بسهولة لاحقًا. هذه المخاوف بالنسبة لإسرائيل تتمثّل في أن أنقرة قد تواصل وجودها طويل الأمد، ما يُهدّد الهيمنة الإسرائيلية على خياراتها الأمنية في القطاع، بل يؤثر في طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة.


رابعاً: الأبعاد الإقليمية والتحفظات العربية

ليس الرفض مقتصرًا على إسرائيل؛ بل إن التحفظات الإقليمية العربية تظهر بوضوح على مشاركة تركيا في مهمة حفظ السلام داخل غزة. بعض هذه التحفظات ترتبط بمحددات الأمن القومي للدول العربية، والبعض الآخر بمخاوف من أن وجود تركيا عسكريًا واقتصاديًا قد يعيد تحويم حركة حماس داخل القطاع، أو يعزّز نفوذًا تركيًا يتضح في بعض الملفات الأخرى. وبالرغم من أن الحرب في السودان مثلًا فرضت على تركيا ومصر تنسيقًا في الملف السوداني، فإن التنسيق في ملف غزة لا يزال محاطًا بحذر. ومن هنا تبدو أنقرة مصممة على المشاركة، إذ أعلنت تجهيز لواء جديد لحفظ السلام استعدادًا لأي مهمة في غزة، رغم أن الباب يبقى معلقًا بقرار أخير من إسرائيل أو واشنطن.


خامساً: لماذا رفضت إسرائيل تحديدًا تركيا؟

السؤال الأهم هو: لماذا الرفض الإسرائيلي الحاد تجاه تركيا تحديدًا، بينما يظل الحديث عن مشاركات عربية وإسلامية أخرى أقل صدورًا؟ الجواب يتجاوب مع عدة مؤشرات: أولًا، العلاقة بين تركيا وإسرائيل تشهد تدهورًا حادًا منذ بدء الحرب في غزة وموقف أنقرة الحادّ تجاه تل أبيب. ثانيًا، تركيا تربطها علاقة قوية بحركة حماس وتتواصل معها على مستويات متعددة، الأمر الذي تراه إسرائيل تهديدًا مباشرًا لتوازن النفوذ في القطاع. ثالثًا، دخول تركيا إلى غزة كقوة لحفظ السلام قد يمنحها “مكانة نفوذية” يصعب على إسرائيل تقبّلها، خاصة في موقع يُعدّ جبهة أولى في أمنها القومي. ورابعًا، من منظور استراتيجي، إسرائيل تريد أن يكون اختيار الدول المشاركة بمثابة تحالف تُرضيه وتثق به، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الأميركي عندما قال إن الدول المشاركة يُشترط أن تكون دولاً “ترتاح لها إسرائيل”.


سادساً: سيناريوهات محتملة لمشاركة تركيا أو استبعادها

هناك سيناريوهان رئيسيان:

  • السيناريو الأول: مشاركة تركية فعليّة ضمن القوة الدولية، ما يعني تغييرًا في ميزان النفوذ داخل غزة، وإعادة تركيب للعلاقات التركية-الإسرائيلية، وقد يؤدي ذلك إلى تعقيد للمهمة الأمنية في القطاع.

  • السيناريو الثاني: استبعاد تركي رسمي عن القوة، وهو ما تؤشّر إليه مواقف إسرائيل الأخيرة، وفي هذه الحالة تكتفي تركيا بدور مساعد أو إنساني، وربما تشارك فقط في إعادة الإعمار أو الدعم اللوجستي، وليس كقوة عسكرية. هذا السيناريو يبدو أقرب حاليًا، إذ إن إسرائيل أكّدت مرارًا أنها “لن تقبل” قوات تركية.


سابعاً: تداعيات الوجود التركي أو غيابه على غزة

إذا شاركت تركيا، فإنها ربما تساهم بفعالية في إعادة الإعمار، وتساعد في بناء مؤسسات محلية، وتوفر دعمًا إنسانيًا كبيرًا. كما أن مشاركتها ستُعزّز مكانتها الإقليمية وتُرسّخ دورها كفاعل دولي. أما إذا استُبعدت، فسوف تُبقى في موقع المراقب وربما ستكون قوة خارجية لدعم إعادة الإعمار فقط، مع احتمال أن يفتح ذلك بابًا لتدويل غزة بوساطة دول أكثر حيادية من وجهة نظر إسرائيل والدول العربية. وكلا الحالتين تُدخل غزة في مرحلة تحوُّل قد تغيّر بنية السلطة المحلية، وطرق الإعمار والأمن، وتؤثّر على طموحات إقامة الدولة الفلسطينية إذا لم تصحَب بخطوات سياسية متوازنة.


ثامناً: خلاصة التحليل

في نهاية المطاف، لا يمكن قراءة الملف التركي-غزة بمعزل عن معادلة النفوذ الإقليمي، والتحالفات الدولية، وحسابات إسرائيل للأمن القومي، وحسابات تركيا لطموحاتها، وحسابات الدول العربية لمشاركة نفوذها. إن كلمة السيو “وجود تركيا في غزة” تختزِل هذا البلاغ المعقّد، وتفتح الباب أمام فهمٍ أوضح للتحدي القادم، وهو كيف يمكن أن تُشارك تركيا فعليًا في مسار استقرار غزة؟ وهل ستتمكّن من ذلك رغم رفض إسرائيل وتخوّف الجوار العربي؟ وهل ستغيّر معادلات الوجود التركي مستقبل القطاع؟ يبقى الجواب مرهونًا بتوازنات ستُكتَب في الأشهر المقبلة، وتُحدّد أيضاً من سيفرض شروطه على الواقع الجديد في غزة.

اقرأ كذلك: مَن هو الضابط الإسرائيلي هدار غولدن وما أهميته لـ كتائب القسام وإسرائيل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات