7 محاور رئيسية ستحدد نجاح التحول في سوريا
التحديات والمحاور الرئيسية التي ستؤثر على مستقبل التحول السياسي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد

7 محاور فاصلة ستؤثر على نجاح التحول في سوريا لسوريا مكانة خاصة في فكر ووجدان كل عربي، سواء كان علمانيًا، أو قوميًا، أو إسلاميًا، أو أيًا كان تصنيفه. فلكل منهم تاريخ طويل في هذا البلد. كانت “الدولة الأموية” مركزًا في الشام، وشاركت سوريا في العديد من الحركات القومية واليسارية الوطنية والإسلامية. كما قدمت للشعر والفنون العديد من المساهمات المميزة، مما جعلها محورًا من محاور الإبداع والتفكير على مر العصور.
وقد كانت ثورة الشعب السوري الأخيرة مصدر إلهام للكثيرين من العرب وغيرهم. هذه الثورة لم تكن مجرد احتجاجات ضد نظام معين، بل كانت تأكيدًا على حق الشعوب في الحرية، وطلبًا جادًا للعدالة والمساواة. وعليه، فإن الاهتمام بمستقبل سوريا بعد سقوط نظام الأسد أصبح أمرًا ملحًا، فالجميع تساءلوا عن شكل النظام السياسي المقبل في هذا البلد الذي حمل في طياته تاريخًا طويلًا ومعقدًا.
اتفق جميع السوريين والعرب على حق الشعب السوري في الحرية والكرامة. هذا المبدأ كان واحدًا من المحفزات الأساسية للثورة السورية، وهو الذي منحها شرعيتها وأدى إلى تغيير موازين القوى في المنطقة. عبر الكثيرون عن أملهم بأن يتمكن الشعب السوري من بناء دولة قائمة على الحقوق والحريات، مع ضمان السيادة الوطنية والإرادة الشعبية.
ولكن، رغم هذا الإجماع حول المبادئ الأساسية، ظهرت تباينات واسعة حول كيفية تحقيق هذه المبادئ وتطبيقها في المستقبل. إذ طفت على السطح المخاوف بشأن التوجهات السياسية والاجتماعية المختلفة، وبرزت بشكل خاص الخلافات حول هوية الدولة المستقبلية. حيث سارع العلمانيون إلى الدعوة إلى دولة علمانية، بينما كان الإسلاميون يرون أن هوية الثورة والشعب السوري إسلامية، وأنه من الضروري أن تكون هوية الدولة أيضًا إسلامية.
إن هذا التباين يفرض على جميع المكونات السياسية، سواء الإسلامية أو العلمانية، أن تتحمل مسؤوليتها بشكل جاد، وأن تتعلم من تجارب سابقة في دول مشابهة، حتى لا تكرر الأخطاء التي أدت إلى الفشل في أماكن أخرى.
من هنا، من الضروري الوقوف على بعض القضايا التي ستؤثر بشكل كبير على التحول في سوريا. هذه القضايا ليست مجرد نقاشات سياسية، بل هي محاور أساسية تحدد مصير سوريا وشعبها في المستقبل القريب.
أولًا: كبح جماح التطرف
من الأهمية بمكان أن يدرك كل من العلمانيين والإسلاميين أن الحقيقة ليست ملكًا لأحد. كل ما لديهم من أفكار ومناهج ونظريات حول كيفية الحكم وإدارة شؤون الدولة هو تجارب بشرية نسبية، وليست حقيقة مطلقة. علاوة على ذلك، فإن هذه الأفكار لم تُختبر بعد في الواقع السوري. مما يستدعي التواضع في طرح الأفكار وتبادل الرؤى. وفي هذه المرحلة الحرجة، من الضروري أن يتجنب الجميع محاولة فرض أفكارهم الخاصة بالقوة.
إضافة إلى ذلك، فإن التسامح مع الآخر يعتبر أمرًا حيويًا. يجب أن يُمنح الجميع الفرصة لاختبار أفكارهم ومقترحاتهم، وإذا فشلوا، يتم رفض أفكارهم بشكل ديمقراطي. من الضروري أن يتم التأثير المتبادل على المناهج والأفكار بأساليب حضارية وقانونية. كما يجب أن يسعى الجميع إلى تطوير تجربتهم الخاصة في مجال التنافس السياسي والنقد البناء.
يجب أن يدرك الجميع، سواء كانوا علمانيين أو إسلاميين، أنه لا يحق لأحد أن يفرض رأيه أو أيديولوجيته على الآخرين. لا ينبغي لأي طرف أن يتوقع أن يحقق مطالبه دون اعتبار لآراء الآخرين، خاصة وأن الثورة السورية قامت أساسًا من أجل منح الشعب حريته الكاملة في اختيار مصيره. الحرية هي القيمة العليا التي تحرك الناس، وتبقى هي المبرر الذي منح الثورة شرعيتها.
ثانيًا: الحذر من الوقوع في فخّ ادّعاء التفرد والاستثنائية
من الضروري أن يتم أخذ العبر من تجارب الربيع العربي. قد تكون هذه التجارب محملة بالكثير من التحديات، لكن في النهاية يمكن استخلاص دروس هامة منها. يجب أن يكون العمل المشترك مع جميع الأطراف أمرًا أساسيًا. يجب أن يتم الاستفادة من كل الطاقات المتاحة، مع مراعاة أهمية تحصين الداخل ضد أي تدخلات خارجية قد تكون ضارة.
إحدى الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها بعض دول الربيع العربي كانت التفرد والانقسام. تلك السياسات التي تميزت بالانتهازية، والأحكام المسبقة، والتعجل في قطاف ثمار التغيير المتوهمة، أسهمت في فشل هذه التحولات. هذا الواقع كان نتيجة طبيعية لعقود من العيش تحت أنظمة شمولية قمعية، لم تترك للناس مساحة للتجربة والتعلم. هذا أدى إلى تعطيل العديد من الفرص التي كان من الممكن أن تغير مسار التاريخ.
ثالثًا: التسرّع والاستعجال في قطف الثمار
ليس من الحكمة الاستعجال في الانتقال إلى مرحلة “قطف الثمار”. فالوضع السوري ما يزال هشًا، وهناك الكثير من المخاطر التي تهدد الاستقرار الداخلي والخارجي. هذه المخاطر تتطلب حرصًا شديدًا في التعامل مع المستقبل السياسي للبلاد.
إذا كانت “الكعكة السورية” لم تنضج بعد، فإن الجميع يجب أن يركز أولًا على ضمان استقرار البلد وإعادة بناء مؤسساته المدمرة قبل التنافس على الحكم. يجب أن يتمكن الشعب السوري من تحديد من سيحكمه، وبأي طريقة، بناءً على اختياراته الحرة، دون أي تأثيرات خارجية أو محاولات لتوجيه المسار السياسي.
الاستعجال في قطف ثمار التغيير قد يؤدي إلى استقطاب المجتمع إلى صراعات سياسية عنيفة، وقد يدفع الأطراف السياسية إلى استئثار بالسلطة، وهو ما يهدد وحدة سوريا.
رابعًا: الغرب المنافق
تاريخ الغرب في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط يثير الكثير من القلق. لا يجب أن ننسى أن معظم الدول الغربية لا تدعم التغيير الحقيقي في منطقتنا، بل تسعى لمصالحها الخاصة، وتدعم الأنظمة الشمولية التي تضمن استقرار مصالحها. ما يرفعونه من شعارات حول الديمقراطية وحقوق الإنسان لا يعدو كونه أداة لتحقيق أهداف إمبريالية.
من هنا، لا ينبغي أن يتوقع السوريون أي دعم حقيقي من الدول الغربية. يجب أن يدرك الجميع أن هذه الدول في الغالب ليست معنية بمصلحة الشعب السوري بقدر ما هي معنية بمصالحها الخاصة. في هذا السياق، من الأهمية بمكان أن يتخذ السوريون موقفًا وطنيًا قويًا، ويضعوا استراتيجيات مضادة لتصدي لهذه التدخلات.
خامسًا: الاستقواء بالغرب
إن الاستقواء بالقوى الغربية هو وصفة قاتلة لأي تحول سياسي حقيقي في سوريا. غالبًا ما نجد بعض الجهات المحلية، مثل القوى العلمانية أو بعض الأقليات، تحاول استدراج التدخل الغربي بحجة الدفاع عن الحقوق الأساسية. هذا الموقف لا يؤدي إلا إلى زيادة تعقيد الوضع الداخلي وزيادة الانقسام بين فئات المجتمع السوري.
يجب أن نتعلم من تجربة نظام الأسد، الذي فشل في بناء شرعية حقيقية من الشعب السوري، واعتمد بدلاً من ذلك على الدعم الأجنبي، مما جعل شرعيته مشكوكًا فيها. وهذا المثال يجب أن يكون درسًا لكل من يسعى لإيجاد شرعية خارج الإطار الوطني.
سادسًا: إسرائيل
إسرائيل تعتبر العدو الأساسي لجميع شعوب المنطقة. أي محاولة للتعاون معها أو الاعتماد عليها لتحقيق مكاسب سياسية داخلية هي خطوة خاطئة. يجب أن يكون التوجه الوطني في سوريا هو رفض أي شكل من أشكال التعاون مع هذا الكيان الاستعماري.
التصور الإسرائيلي لسوريا الجديدة يتضمن تقسيم البلاد إلى كيانات متعددة. هذا الهدف يتماشى مع الرؤية الاستعمارية التي تهدف إلى إعادة تفتيت المنطقة وإضعافها.
سابعًا: هوية الدولة
يجب أن يتم العمل على بناء دولة مدنية تعددية تضمن الحقوق والحريات لجميع المواطنين. هذه الدولة يجب أن تكون نقيضًا للاستبداد، وتوفر الفرص المتساوية لكل السوريين. من الضروري أن يدرك الجميع أن هوية الدولة لا يجب أن تكون مصدرًا للتوترات السياسية.
إن بناء دولة مدنية تشكل نقيضًا للاستبداد العسكري، هي قضية يتفق عليها جميع الأطراف السياسية في سوريا. أي محاولة لفرض هوية مغايرة قد يؤدي إلى تعطيل تجربة التحول السياسي.
تستعد سوريا لاختبار تاريخي. مستقبلها السياسي يعتمد على قدرة جميع الأطراف على تقديم مصلحة الوطن والشعب على المصالح الضيقة. سيكون النجاح في هذا الاختبار هو بداية مرحلة جديدة من الأمل والتقدم.
اقرأ كذلك :تحليل نظرية المؤامرة ودورها في تحرير سوريا