باحثة فرنسية: أجسام البشر في عام 2024 تحتوي على مواد بلاستيكية في معظم أعضائها
"الباحثون يحذرون من تراكم المواد البلاستيكية الدقيقة في جسم الإنسان وتأثيراتها الصحية المقلقة على الأعضاء الحيوية والأنظمة البيولوجية مع زيادة المخاطر على الأجيال القادمة"
باحثة فرنسية: أجسام البشر في عام 2024 تحتوي على مواد بلاستيكية في معظم أعضائها تعتبر المواد البلاستيكية من أكثر التحديات البيئية التي تواجهها البشرية في العصر الحديث، حيث تعد واحدة من أكثر المواد استهلاكًا على مستوى العالم. بدأت المواد البلاستيكية، التي كان يتم استخدامها في البداية للأغراض الصناعية، في الانتشار بشكل كبير في جميع مجالات الحياة اليومية، من التعبئة والتغليف إلى الملابس ومستحضرات التجميل، لتغطي في النهاية كافة جوانب حياتنا. غير أن الباحثين والمتخصصين في مجال البيئة بدأوا في إلقاء الضوء على الأثر الصحي الخطير لهذه المواد التي تسربت إلى أجسام البشر، بما في ذلك الأعضاء الحيوية مثل الرئتين والقلب والكبد، وحتى في المشيمة والدم.
العديد من العلماء والباحثين في مجال البيئة والصحة العامة بدأوا في دق ناقوس الخطر حول هذه المشكلة التي أصبحت شائعة في عالمنا المعاصر. فقد أظهرت الدراسات الحديثة وجود جزيئات بلاستيكية دقيقة في كل مكان تقريبًا، من الهواء إلى المياه، ومن المواد الغذائية إلى مستحضرات التجميل. والمثير أن هذه الجزيئات البلاستيكية يتم امتصاصها في جسم الإنسان بطرق مختلفة، سواء من خلال الاستنشاق، الابتلاع، أو حتى من خلال ملامسة الجلد. ولكن رغم كثافة الأبحاث التي أجريت في هذا المجال، لا يزال العلماء غير متأكدين من التأثير طويل الأمد لهذه المواد على صحة الإنسان.
التأثيرات الصحية الناجمة عن المواد البلاستيكية الدقيقة
في الوقت الذي ازدادت فيه المخاوف حول تأثير المواد البلاستيكية الدقيقة على البيئة، كشف العلماء عن تأثيراتها السلبية المتزايدة على صحة الإنسان. الباحثة في معهد لومان للجزيئات والمواد فابيان لاغارد، والتي تعمل على دراسة تأثير المواد البلاستيكية على الأجسام البشرية، قالت في جلسة حديثة للبرلمان الفرنسي: “إنسان عام 2024 يحتوي على مواد بلاستيكية في معظم أعضائه، والأمر مرشح لأن يكون أسوأ للأطفال الذين سيولدون في عام 2040”. وأضافت أنه في السنوات الأخيرة تم العثور على جزيئات بلاستيكية دقيقة في عدة أعضاء داخل الجسم البشري، بما في ذلك الرئتين والكبد والكلى وحتى في المشيمة.
أصبحت هذه المواد تشكل خطرًا بيئيًا وصحيًا حقيقيًا على المدى الطويل. ومن المعروف أن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة، التي لا يزيد حجمها عن 5 مليمترات، تتواجد في العديد من المنتجات التي نستخدمها يوميًا مثل المياه المعبأة في الزجاجات، الأطعمة المعلبة، المواد الغذائية المغلفة بالبلاستيك، وحتى في الهواء الذي نتنفسه. وأظهرت الدراسات العلمية أن هذه الجزيئات يمكن أن تدخل جسم الإنسان من خلال الاستنشاق أو ابتلاع الطعام الملوث بها.
الآثار المقلقة على الصحة
على الرغم من أن الدراسات حول تأثيرات البلاستيك على الصحة ما زالت في مراحلها المبكرة، فقد أظهرت بعض الأبحاث بالفعل علاقة بين المواد البلاستيكية الدقيقة وبعض الأمراض الخطيرة مثل السرطان، وأمراض القلب، وتلف الأنسجة. أظهرت دراسة نشرت في مجلة “نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن” الطبية في مارس/آذار الماضي أن هناك علاقة بين تراكم الجزيئات البلاستيكية الدقيقة في الأوعية الدموية وبين زيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية، بل وأيضًا الموت المبكر لدى الأشخاص المصابين بتصلب الشرايين.
تتفق العديد من الدراسات على أن المواد البلاستيكية الدقيقة يمكن أن تؤثر بشكل كبير على صحة الجهاز التنفسي، إذ وجدت أبحاث أن الجزيئات البلاستيكية يمكن أن تدخل إلى الرئتين عن طريق الاستنشاق. وهو ما يسبب التهابات وأضرارًا في الأنسجة الرئوية. وعلاوة على ذلك. يمكن أن تؤثر هذه الجزيئات على الجهاز التناسلي. مما يهدد الخصوبة ويزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض السرطانية. خاصة سرطان الثدي وسرطان الأمعاء.
البروفيسور تريسي وودروف من جامعة كاليفورنيا أكدت أن الأبحاث المتعلقة بالجسيمات البلاستيكية الدقيقة تتزايد بشكل سريع. وكشفت عن آثار صحية مقلقة جدًا. في تحليل حديث شمل أكثر من ألفي دراسة على حيوانات. تبين أن هذه الجزيئات تؤثر سلبًا على الخصوبة وترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان. كما أوضحت أنها تضر بالجهاز التنفسي بشكل كبير.
المواد البلاستيكية النانوية: تهديد أكبر
إحدى المخاوف الأخرى التي أثارها العلماء هي تأثير المواد البلاستيكية النانوية. وهي جزيئات أصغر بكثير من المواد البلاستيكية الدقيقة. حيث قد تكون أصغر بألف مرة. الباحثون يعتبرون هذه الجزيئات البلاستيكية النانوية أكثر خطرًا لأنها تستطيع اختراق الخلايا البشرية بسهولة أكبر. مما يزيد من إمكانية التأثير على الأنسجة والأعضاء بشكل أعمق. الدراسات التي أُجريت على الحيوانات أظهرت أن هذه الجزيئات النانوية قد تساهم في التسبب في الأورام السرطانية في بعض الأعضاء.
إحدى الأبحاث المثيرة للاهتمام تم إجراؤها في جامعة كاليفورنيا، حيث ربطت المواد البلاستيكية النانوية بزيادة خطر الإصابة بالأمراض التنفسية المزمنة وأضرار أخرى في الأنسجة. وقد وجد العلماء أن هذه الجزيئات يمكن أن تنتقل بسهولة عبر جدار الأمعاء إلى مجرى الدم. وهو ما يعزز احتمالية انتقالها إلى مختلف أنحاء الجسم.
دور الحكومات في تقليل التعرض للبلاستيك
على الرغم من أن العديد من العلماء والمتخصصين يعتقدون أن المشكلة الصحية الناجمة عن المواد البلاستيكية الدقيقة قد تكون خطيرة للغاية. إلا أن أبحاثهم لا تزال قيد الدراسة ولم تصل بعد إلى مرحلة تحديد العلاقة السببية بشكل دقيق. لكن المتخصصين يعتقدون أن التأثيرات المحتملة قد تكون أكثر سوءًا في المستقبل. خصوصًا بالنسبة للأطفال الذين يولدون في العقود المقبلة.
تحذر العديد من الدراسات من أن تعرض الأجيال القادمة للبلاستيك قد يكون أسوأ بسبب التراكم المستمر لهذه المواد في البيئة. وحسب تقديرات “تحالف العلماء من أجل معاهدة فعالة بشأن المواد البلاستيكية”. فإن أكثر من ربع المواد الكيميائية المستخدمة في البلاستيك قد تكون ضارة بالصحة. إذ تشمل المخاطر المترتبة عليها العقم، البدانة. وأمراض القلب والسكري.
الاحتياطات والإجراءات الوقائية
نظرًا للمخاطر الكبيرة التي قد تتسبب فيها المواد البلاستيكية الدقيقة على الصحة، ينصح الخبراء بضرورة اتخاذ خطوات وقائية لتقليل التعرض لهذه المواد. يشمل ذلك الحد من استخدام المنتجات البلاستيكية في الحياة اليومية. مثل عبوات الطعام البلاستيكية. وتجنب تسخين الطعام داخل أوعية بلاستيكية، والتوجه لاختيار الملابس المصنوعة من مواد طبيعية.
من المهم أيضًا أن تتبنى الحكومات والهيئات التنظيمية سياسات أكثر صرامة لتقليل إنتاج البلاستيك. وضمان فرض قوانين لتقليل التلوث الناتج عن هذه المواد. كما أن التشجيع على استخدام البدائل الطبيعية والصديقة للبيئة يعد خطوة أساسية للحد من تلوث البلاستيك.
وفي هذا السياق، تقول موريل مرسييه بونان. مديرة الأبحاث في المعهد الوطني الفرنسي للبحوث في الزراعة والأغذية والبيئة. إن “المخاطر المرتبطة بالتعرض للمواد البلاستيكية الدقيقة عبر الاستنشاق أو الفم موجودة بالفعل. ويجب اتخاذ تدابير فورية للحد منها”.
اقرأ كذلك :الكافيين ودوره في تقليل دهون الجسم