ميدل إيست آي: الأسباب التي قد تؤدي إلى مطالبة بريطانيا بدفع تعويضات للفلسطينيين
تداعيات التاريخ الاستعماري: كيف تؤثر المطالب بالتعويضات من الكاريبي وفلسطين على العلاقات الدولية والمكانة التاريخية لبريطانيا
ميدل إيست آي: التصعيد في المطالب البريطانية بدفع تعويضات للفلسطينيين ذكر موقع “ميدل إيست آي” أن التوترات قد تصاعدت قبل قمة الكومنولث في ساموا هذا الأسبوع. جاء ذلك بسبب مطالب زعماء الكاريبي بضرورة دفع بريطانيا تعويضات عن ماضيها الاستعماري. هذا الأمر يستدعي، إذا ما دفعت أي شكل من أشكال التعويضات لدول أخرى، أن تواجه مطالب متجددة من السلطة الفلسطينية أيضًا.
الحكومة البريطانية وموقفها من التعويضات
أشار الموقع في تقرير كتبه عمران ملا إلى أن الحكومة البريطانية أصرت في البداية على أن القضية كانت خارج جدول الأعمال. كما أكدت أنها لن تدفع تعويضات ولن تعتذر. لكن 15 من زعماء دول منطقة الكاريبي تحدوا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. وقد طالبوا بإصدار بيان لمناقشة التعويضات. مما اضطر ستارمر إلى تغيير موقفه بشكل كبير. وأوضح أنه “منفتح على مناقشة أشكال غير نقدية للعدالة التعويضية للعبودية”.
حذرت المستشارة البريطانية راشيل ريفز يوم الخميس من أن دفع التعويضات النقدية قد يشل اقتصاد بريطانيا. هذا الأمر خاصة أن المبلغ الذي تدين به بريطانيا إجمالاً يعتبر موضوعًا مثيرًا للجدل. إذ زعمت الجمعية الأميركية للقانون الدولي وجامعة جزر الهند الغربية أنها مدينة بمبلغ مذهل يبلغ 18.8 تريليون جنيه إسترليني كتعويض عن العبودية والاستعمار.
المال لا يعوّض
أشار مصدر في داونينغ ستريت إلى أن بريطانيا قد تستخدم تدابير تعويضية مثل إعادة هيكلة المؤسسات المالية. قد تمنح هذه التدابير البلدان تخفيفًا للديون. لأن الدفع النقدي غير وارد. ومع ذلك، قال رئيس وزراء جزر الباهاما فيليب ديفيس: “بنظري، لا أعرف إن كان المال في حد ذاته يمكن أن يعوّض بشكل كاف عن أخطاء الماضي”. وأشار إلى أنه “لا يمكن تبديد الشبح الذي يطاردنا اليوم بهدية نقدية”.
ويبرز هذا الموضوع، حسب الكاتب، كون بريطانيا مدينة بتعويضات من خارج الكومنولث. إذ أثارت محكمة العدل الدولية في يوليو/تموز مسألة التعويضات المستحقة على دولة أخرى. حكم القضاة بأن إسرائيل يجب أن تدفع للفلسطينيين تعويضات عن الأضرار الناجمة عن احتلالها. علماً أن هناك دعوات أخرى وُجّهت في السنوات الأخيرة إلى بريطانيا لدفع تعويضات للفلسطينيين.
فلسطين والكومنولث
لم تختر أي دولة في الشرق الأوسط الانضمام إلى الكومنولث عندما أُسّس عام 1949. ومع ذلك. دعا رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات عام 1997 إلى أن تصبح السلطة الفلسطينية عضوًا في الكومنولث. كانت بيانات قمته تناقش عادة القضية الفلسطينية بعد حرب عام 1967، واحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية.
غير أن بيان قمة هذا العام لن يتناول الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة. لن يتناول البيان المستوطنات غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة الأخرى. مع أن محكمة العدل الدولية حكمت في يوليو/تموز بأنها محتلة بشكل غير قانوني. هذا يعني أن الكومنولث لا يلعب دورًا مماثلًا لدوره المؤثر أثناء الحملة على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
في عام 2017، هددت السلطة الفلسطينية بمقاضاة بريطانيا إذا لم تعتذر عن إعلان بلفور لعام 1917. هذا الإعلان أسس لإنشاء “وطن قومي للشعب اليهودي” في فلسطين. ولكن الحكومة المحافظة آنذاك ردت بأنها “فخورة” بالإعلان.
إعداد ملف بالانتهاكات البريطانية
في عام 2020. أعلن الملياردير الفلسطيني منيب المصري أنه يهدف إلى مقاضاة الحكومة البريطانية بشأن إعلان بلفور. كما اتهم بريطانيا بارتكاب الجرائم أثناء الانتداب. وأوضح أنه أعدّ ملفًا ضخماً جمع فيه أدلة على الانتهاكات البريطانية ضد الفلسطينيين في ظل الانتداب.
وثق المؤرخ البريطاني ماثيو هيوز في كتاب صدر عام 2019 كيف احتجز الجنود والشرطة البريطانيون 528 ألف شخص لفترات زمنية متفاوتة. تراوحت فترات الاحتجاز من أيام إلى سنوات. كما ذكر أن بعض هؤلاء الأشخاص سُجنوا أكثر من مرة في أماكن مختلفة. هذا العدد يتجاوز إجمالي عدد السكان الذكور المسلمين في فلسطين عام 1938.
المطالبة بالتعويضات
في عام 2022. رأى جوزيف مسعد، وهو أستاذ في جامعة كولومبيا. أنه “بدلاً من متابعة الدعاوى القضائية لانتزاع اعتذار غير محتمل من قوة استعمارية غير نادمة مثل بريطانيا، يجب أن يكون المسار الصحيح هو المطالبة بتعويضات عن الجرائم التي ارتكبتها بريطانيا”.
في سبتمبر/أيلول 2023. دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا إلى دفع تعويضات للفلسطينيين. وأكد: “سنواصل سعينا لتحقيق المساءلة والعدالة في الهيئات الدولية ذات الصلة ضد إسرائيل بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا”. كما دعا أيضًا لمحاسبة كل من بريطانيا وأميركا لدورهما في إعلان بلفور المشؤوم.
قال شوان جبارين المدير العام لمنظمة الحق غير الحكومية. ورالف وايلد المحاضر في القانون في جامعة لندن، إن بريطانيا ملزمة بدفع تعويضات عن سلوكها أثناء الانتداب. كتبا بعد خطاب عباس: “من خلال الفشل في الاعتراف المؤقت بالدولة الفلسطينية في عشرينيات القرن العشرين، والتمسك بالأرض لمدة ربع قرن من أجل تمكين تحقيق وعد بلفور. انتهكت المملكة المتحدة القانون الدولي”.
ردود فعل مختلفة حول المطالب
تختلف ردود الفعل حول المطالب بتعويضات من مختلف الأطراف. حيث يرى بعض النقاد أن المطالبة بالتعويضات ليست عملية أو قابلة للتطبيق. ويشير هؤلاء إلى التحديات الاقتصادية والسياسية التي قد تواجهها بريطانيا. بينما يؤكد المدافعون عن حقوق الفلسطينيين على أهمية هذه المطالب كجزء من عملية العدالة التاريخية.
إن الحديث عن التعويضات يمكن أن يثير جدلًا حول تاريخ الاستعمار وتأثيراته على الشعوب المتضررة. فالمطالب تعيد إلى الأذهان مآسي تاريخية تتطلب الاعتراف بها. لذلك، يجادل العديد من الخبراء بأن التعويضات ليست مجرد أرقام مالية، بل تمثل اعترافًا بالمعاناة المستمرة.
دور الملك تشارلز
في الآونة الأخيرة، بدا الملك تشارلز في خطابه أمام قمة الكومنولث يشير إلى مطالب التعويضات. وقال: “لا أحد منا يستطيع تغيير الماضي”. ومع ذلك، أضاف أنه “يمكن للدول إيجاد طرق إبداعية لتصحيح التفاوتات المستمرة”.
تلك الكلمات تحمل أهمية كبيرة. إذ تعكس تحديات العصر الحديث. إن التعامل مع ماضي الاستعمار يتطلب تفكيرًا عميقًا واستعدادًا للتغيير. يجب أن تكون هناك جهود فعلية لمعالجة التحديات التي واجهتها المجتمعات المتأثرة.
التحديات المستقبلية
في المستقبل، ستواجه بريطانيا تحديات عدة فيما يتعلق بمطالب التعويضات. ينبغي على الحكومة البريطانية التفكير في كيفية معالجة هذه القضايا بشكل يتسم بالشفافية والعدالة. يتعين على المملكة المتحدة أن تتفاعل بشكل مسؤول مع هذه المطالب، وأن تبحث عن طرق فعالة للتواصل مع الدول المتضررة.
كما يجب أن تُعتبر المطالب بالتعويضات فرصة لتعزيز الحوار بين الثقافات. يمكن أن تسهم هذه المحادثات في فهم أعمق لتاريخ العلاقات الدولية. وعليه، يتوجب على بريطانيا أن تدرك أن التعويضات ليست نهاية المطاف، بل بداية جديدة لعلاقات أكثر عدلاً واستدامة.
يتناول موضوع التعويضات مسألة تاريخية معقدة تتطلب فهماً عميقاً للماضي. إن المطالب بالتعويضات من قبل زعماء الكاريبي والفلسطينيين تعكس التحديات الحالية. ومع ذلك. تتطلب هذه المطالب استجابة تتسم بالمسؤولية. يجب أن يكون هناك سعي لتحقيق العدالة الحقيقية، وذلك يتطلب التزامًا من جميع الأطراف المعنية.
إن النقاش حول التعويضات يمثل جزءًا من حوار أوسع حول العدالة التاريخية. يجب أن يشمل هذا الحوار جميع الأطراف المعنية. إذا استطاعت بريطانيا أن تتعامل مع هذه القضايا بشفافية، فإنها ستساهم في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدلاً للجميع.
اقرأ كذلك :تأثير الولايات المتحدة على مستوى الهجوم الإسرائيلي ضد إيران